لمناسبة الاحتفال بانقضاء مائة سنة على وفاته، فقد قلنا عنه في رسالة صغيرة: إن جيته من العبقريين الذين لا ينبئ قليلهم عن كثيرهم لأنه لم يجمع نفسه في قطعة واحدة ولا موضوع واحد. فهو كثير الجوانب كثير التجزئة: الموضوع الواحد عنده لا يدل على كل موضوعاته، والجزء الصغير لا يدل على جملة الموضوع، فكل فكرة له هي أصغر من الرجل في جميع أفكاره)!
أود أن أقف قليلاً لأناقش هذه الآراء، وأول شيء يستوجب الوقوف ويدعو إلى التعقيب قول الأستاذ العقاد إن كارل ياسبر هو أشهر فلاسفة الألمان المعاصرين وإمام الوجودية الألمانية غير مدافع. وأظن أن تاريخ الفلسفة المعاصرة سيقرران الفيلسوف الألماني هيدجر لا (ياسبر) هو أشهر فلاسفة الألمان المعاصرين وإمام الوجودية الألمانية غير مدافع. . . وحسبنا في مجال التدليل على صحة هذا الرأي أن نقول إن الوجودية الفرنسية عند (سارتر) قد اتجهت في تقرير مذاهبها إلى الوجودية الألمانية عند (هيدجر)، وأن فلسفة هذا الأخير كانت المنبع الأصيل التي تدفقت منه القاطرات الأولى في الوجودية السارترية، أو الحقل الأول الذي أستمد منه الفيلسوف الفرنسي بذوره الفكرية الضخمة، تلك التي أينعت وأثمرت في الوجود والعدم '. .
أما عن رأي ياسبر في منزلة جيته الأدبية فهو رأي عجيب، ومصدر العجب فيه تلك الموازنة بين أديب وأديب على أساس عمل خاص من أعماله الفنية. . . إن الموازنة على هذا الأساس باطلة، لأن الميزان الحق لأقدار الأدباء لا يقام على أساس فكرة واحدة أو رأي واحد أو كتاب واحد يضم بين دفتيه عدداً من الآراء والأفكار، وإنما يقام الميزان الحق في مجال الموازنة بين أديب وأديب بأن يوضع إنتاج هذا كله في كفة، وأن يوضع في الكفة الأخرى إنتاج ذاك. . . عندئذ يصح الحكم ويستقيم التقدير لأننا نضع عالماً من الفكر أمام علم، ونقابل في ميدان الذهنية المبدع بين حياة وحياة. إننا إذا وازنا مثلاً بين فاوست والإلياذة، أو بين فاوست والكوميديا الإلهية، أو بين فاوست وهملت، لنخرج من هذه الموازنة بأن جيته على أساس هذا العمل الخاص من أعماله لا يقف موقف الند من هومير أو دانتي أو شكسبير، كنا كمثل من يوازن بين شارع في برلين وثلاثة شوارع أخرى في أثينا وروما ولندن، لندلل على أن المدين الأولى لا تقف في مجال الضخامة أو الجمال أو