ريان فضضه الندى ثم انجلى ... عنه ذهَّب صفحتيه أصيل
وارتد ينظر في نقاب غمامة ... طرف يمرضه النعاس كليل
ساج كما يرنو إلى عواده ... شاك ويلتمح العزيز ذليل. . .
وبين أعلام الأدب العربي شعراء نستطيع تسميتهم شعراء المبدأ أو شعراء الفكرة أن صح هذا التعبير، يرتقون إلى درجة العالمية بجدارة صريحة، بفضل المبادئ أو المذاهب الإنسانية التي اعتمدوها في إنتاجهم الفكري. ففلسفة التشاؤم وحرية الفكرة تشكلان المحور الأساسي لشعر أبي العلاء المعري، وهو يلتقي من ناحية التشاؤم بالفيلسوف الألماني (شوبنهور)، وفي ناحية حرية الفكر بالكاتب العالمي المعاصر (برناردشو).
أمام المتنبي فقد تجلت في شعره فكرة إنسانية خطيرة، كان من شأنها أن تطورت وتبلورت من بعده في مبدأ فلسفي هام عند الفيلسوف الألماني نيتشه: إلا وهي فكرة (الاستعلاء)؛ وقد جسمها (نيتشه) في شخصية (الإنسان الأعلى) أو (السوبرمن) على حد تعبيره وحسبنا من شعر المتنبي المفعم بهذه الفكرة قوله:
وإني لمن قوم كأن نفوسهم ... بها أنف أن تسكن اللحم والعظما!
وقوله:
أطاعن خيلاً من فوارسها الدهر ... وحيداً، وما قولي كذا ومعي الصبر!
ومن فنون الأدب فن عالمي قيم اشتهر به كتاب عالميون وكان لأدباء العرب فيه نصيب كبير، وهو فن (الظرف) أو قل باب الفكاهة والمرح الفكري. وقد امتاز بهذا الفن بين الإنكليز (تشارلز ديكنز) و (وبرناردشو)، وبين الفرنسيين (أناتول فرانس)! ويقبل هؤلاء من بين الأدباء العرب الجاحظ، بحيث يضاهيهم بالفعل، وذلك بما في كتاباته من رقة ومرح، وبما في فكآهاته من لذع خفي، وظرف محكم، لحمتهما وسداهما الفكرة العميقة.
وهنالك لونان عالميان من ألوان الأدب، طرقهما الأدباء العرب فأبدعوا، وكان لهم بذلك تأثير كبي رفي الآداب الأجنبية.