وللدين الأثر القوي في الدولة العامة الاستيلاء، العظيمة الملك، (لان الملك إنما يحصل بالتغلب، والتغلب إنما يكون بالعصبية، واتفاق الأهواء على المطالبة، وجمع القلوب، وتأليفها، إنما يكون بمعونة من الله في إقامة دينه. . . وسرُّه أن القلوب إذا تداعت إلى أهواء الباطل، حصل التنافس، وفشا الخلاف، وإذا انصرفت إلى الحق، اتحدت وجهتها فذهب التنافس، وقل الخلاف، وحسن التعاون، والتعاضد، وأتسع نطاق الكلمة لذلك فعظمت الدولة). والدعوة الدينية في نظره تزيد الدولة في أصلها قوة على قوة العصبية، والإمام خليفة عن صاحب الشرع.
أما منتسكيو - مع سعة إحاطته بالدين المقارن - فإنه ينظر إلى الدين من حيث صلاحيته للدولة (فسوف لا أعالج مختلف أديان العالم إلا من حيث علاقتها بالخير الذي تحققه للدولة). ويقول (إن الأمير الذي يحب الدين ويخشاه إنما هو أسد يذعن لليد التي تدلله، أو الصوت الذي يناغيه، والأمير الذي يخشى الدين ويبغضه إنما هو الوحش الضاري الذي يعض السلسلة التي تمنعه من التهجم على المارة، وأما ذلك الذي لا دين له أصلاً فهو ذلك الحيوان المرعب الذي لا يشعر بحريته إلا عند ما يتهجم ويفترس).
لهذا أخذ منتسكيو يعرض على كل حكومة ما يناسبها من الأديان والمذاهب حسب اعتدال هذه الحكومة أو استبدادها (لأن الدين يتبع عادة لون الحكومة) ولأن الدين خير ضامن للناس إخلاص الناس، فإذا وجب ألا يتعارض الدين مع القوانين فقد وجب كذلك ألا يتعارض مع الأخلاق.
يفترض أبن خلدون الفوضى قبل الملك وبعده مما يوجب السياسة الدينية التي يقررها الشرع، أما السياسة العقلية التي يفوضها العقلاء فإنها لا ترقى إلى غاية الأحكام الشرعية. (فالسياسة والملك هي كفالة للخلق، وخلافة لله في العباد لتنفيذ أحكامه فيهم، وأحكام الله في خلقه وعباده إنما هي بالخير ومراعاة المصالح كما تشهد به الشرائع، وأحكام البشر إنما هي من الجهل والشيطان).
وأنواع الملك ثلاثة: الملك الطبيعي، والملك السياسي، والخلافة. فالأول حمل الكافة على الغرض والشهوة، والثاني حملهم على العقل في جلب النفع الدنيوي، ودفع الضرر، والأخير هو حملهم على الشرع دنيا وأخرى، وهي خلاف عن صاحب الشرع في حراسة