ورأوها وقد تم عملها ولم يبق إلا جرّها قرب السور. وأعمل صلاح الدين فكره في إحراقها ووعدهم على ذلك بالأموال الطائلة والعطايا الجزيلة، ولكن ضاقت حيلهم عن ذلك. وكان من جملة من حضر شاب نحاس دمشقي ذكر بين يديه إن له صناعة في إحراقها وأنه إن مكن من الدخول إلى عكا وحصلت الأدوية التي يعرفها أحرقها، فحصل له جميع ما طلبه، ودخل إلى عكا وطبخ الأدوية مع النقط في قدور نحاس حتى صار الجميع كأنه جمرة نار، ثم ضرب واحداً بقدر فلم يكن إلا أن وقعت فيه، فاشتعل من ساعته ووقته، وصار كالجبل العظيم من النار طالعة ذؤابته نحو السماء واستغاث المسلمون بالتهليل، وعلاهم الفرح حتى كادت عقولهم تذهب. وبينما الناس ينظرون ويتعجبون إذ رمى البرج الثاني بالقدر الثانية فما كان إلا أن وصلت إليه واشتعل كالذي قبله فاشتد ضجيج الفئتين، وما كان إلا ساعة حتى ضرب الثالث فالتهب وغشي الناس من الفرح والسرور ما حرك ذوى الأحلام).
وحسب ما نعلم كانت هذه المواد هي زيت النفط والكبريت والجير والقار فتتكون النار اليونانية. وقد أشار إلى استعمال المسلمين هذه النار في الحروب الصليبية الأستاذ كوستاف لوبون في كتابه (المدينة العربية، ص ٥١٤، ٥١٥).
ويروى الأستاذ أحمد بدوي في المقال السابق الذكر نقلا عن (خطط المقريزي، ج ١ص٣٤٧) أن الفرنج هاجموا دمياط سنة ٦١٥في آخر أيام العادل وعملوا آلات ومرمات وأبراجاً متحركة (والدبابات) يزحفون بها إلى برج (السلسلة) ليملكوه حتى يتمكنوا من المدينة.
وتبحث بعض المصادر التاريخية عن أهمية الدبابات التي استخدمها السلطان محمد الفاتح أثناء محاصرة القسطنطينية، فيقول المؤرخ التركي الشهيد أحمد رفيق:
أن السلطان قد أمر بإنشاء أبراج تسير بواسطة عجلات لتستخدم في خرق السور فصنعوا برجاً خشبياً سياراً يسمى ب (كشوركشا) أي (فاتح البلاد) وهو مغلف من الخارج ومبطن من الداخل بالجلود بالماء لدفع النار. وكان الجنود يتحصنون في داخله، وإذا ما أرادوا الخروج فتحوا الأبواب الثلاثة باتجاه المدينة من القسم الأسفل منه فكانوا في ذلك في مأمن من مقذوفات العدو أثناء النزول والركوب. وقد جمعت فيه أكوام من الحطب والأخشاب لإملاء الخنادق وتسهيل الهجوم، هذا ويحمل البرج مائة جندي انكشاري (ينيجرى) مع