فقلت كما شاءت وشاء لها الهوى ... قتيلك، قالت: أيهم فهم كثر
ووجه الغرابة في هذا أن الشاعر قد أخبرنا في هذه القصيدة عينها أنها قد وعدته بالوصل، وأنه أحب البدو من أجل حبها، وحارب قومه في سبيل هواها، ولا يعقل بعد ذلك أن تجهله الحبيبة ولا تدري من هو؟ وهي التي يقول فيها:
معللتي بالوصل، والموت دونه ... إذا مت ضمآنا فلا نزل القطر
بدوت، وأهلي حاضرون، لأنني ... أرى أن دارا لست من أهلها قفر
وحاربت قومي في هواك، وإنهم ... وإياي - لولا حبك - الماء والخمر
نلحظ في غزل أبي فراس، سواء الحقيقي منه والتقليدي، أنه غزل فارس، تلمس فيه روح الفتوة، وتجد منثوراً بين أبياته لغة الفرسان المحاربين، ويأخذ من هذه اللغة تشبيهاته واستعاراته، فتسمعه يقول:
أغرن على قلبي بخيل من الهوى ... فطارد عنهن الغزال المغازل
بأسهم لفظ لم تركب نصالها ... وأسياف لحظ، ما جلتها الصياقل
وقائع قتلى الحب فيها كثيرة ... ولم، يشتهر سيف، ولا هز ذابل
أراميتي، كل السهام مصيبة ... وأنت لي الرامي، فكلي مقاتل
ويقول متعجباً كيف يمد حبيبه جيش سقامه بالهجر، فينصره:
بالله ربك، لم فتنت بصبره ... ونصرت بالهجران جيش سقامه
وفي سبيل طاعة الحب، قد استشهد الصبر والسلو:
مالي بكتمان هوى شادن ... عيني له عين على القلب
عرضت صبري وسلوى له ... فاستشهدا في طاعة الحب
ويشبه طرة من يحب بالزرد المضاعف:
ومرتد بطرة ... مسدولة الرفارف
كأنها مسبلة ... من زرد مضاعف
أبو فراس حين يجعل الغزل مقدمة لإغراض أخرى، يجتهد غالبا في أن يجعل روح الغزل مناسبة لروح الموضوع الذي يقصد إليه، وهل أنسب من هذا الغزل العاتب يبدأ به عتابه لسيف الدولة: