الحدود، متجاهلة، أو جاهلة، نواحي القوة البشرية، فترسم الخطة وكأن كل النواميس البشرية عدا النواميس المتمشية مع أهدافها - قد تعطلت بفعل ساحر، ومن أجل ذلك كثر إيغالها في الأحلام التي تدل على المقت الذي ينوء باحتماله أي قلب من لحم ودم ولو كان قلب وحش كاسر، ولكن تلك الأحلام لا تدل من أي وجه على إمكان تحقيق شيء جدي منها. ولذلك ألفت النظر إلىأن فيها كثيراً من المبالغات الدجلية الخادعة التي لا يمكن تحقق شيء منها، وخير ما نقابل به تلك المبالغات هو معرفة زيفها والثبات أمامها، إذ ما من خطر حقيقي لها إلا التهويلُ الكاذب لإضعاف العزائم، ونشر الفزع والرعب لتهويش المجتمع، كي يتوهم لليهود ما ليس لهم من القوة والنفوذ، أو يغفل عما لهم من القوة والنفوذ في الحقيقة.
ولقد كانت هذه البروتوكولات من أسرار إليه ود التي يحرصون على إخفائها أشد الحرص، ثم افتضح أمرها منذ نصف قرن تقريبا إذ وصل خبرها إلىأحد وجوه الروس في عهد القيصرية وهو سرجي نيلوس وهي مكتوبة بالروسية، فقام بطبعها في سنة ١٩٠٥ وكتب لها مقدمة وتعقيبا لابد من قراءتهما لما فيهما من فوائد جليلة، ويحملنا ضيق المقام هنا على القناعة بمقتبسات ملخصة من المقدمة نعرف منها كيف تأدت إليهوماذا صنع بها. فقد ذكر أن صديقا دفعها إليهقبل وفاته سنة ١٩٠١، أكد له أنها ترجمة صحيحة لأوراق مخطوطة سرقتها سيدة من أحد رؤوس الماسونيين الأحرار في نهاية اجتماع ماسوني عقد في باريس، وقد تمت السرقة في فرنسا في خلية من خلايا الماسونية إليه ودية (الخاصة باليهود).
وقد نشر الأستاذ نيلوس هذه الوثائق الخطية في سنة ١٩٠٥ مطبوعة بعنوان (بروتوكولات شيوخ صهيون) وأشار إلىأنها ليست بالدقة نصوص محاضر الاجتماعات السرية التي عقدها هؤلاء الشيوخ، بل إنها تقرير وضعه شخص قوي وقسمه أقساما لا تطرد منطقيا على الدوام، وهي بذلك تبعث على الظن بأنها جزء منتزع من وثيقة أهم قد ضاعت بعض فقره، بيد أن أصل الوثيقة يتكلم عن نفسه في هذا الجزء.
ويسلم الأستاذ نيلوس بالعجز عن الحصول على دليل كتابي أو شفوي على صحة هذه المؤامرة أو على شيء بكشف زعماءها متلبسين بإمساك خيوطها الدموية، ويكتفي بشواهد