للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الذليل لعواطفه! ويتذكر كيف أنه كان يضيق بالحياة، وتمتلئ جوانب نفسه بالثورة على كل شيء، ولأي شيء. . . وإنه ليتذكر ليلة كان القدر يخط سطراً كبيراً في صفحة وجوده. . . سطراً يحسبه كالعنوان لقصة حياته المملة التي فقدت عنصر التشويق. . . تلك الليلة التي لقيها فيها. . إنه ليتذكرها. . فتاة السابعة عشرة غضه لينة، تنطق قسمات وجهها بما يبعث في نفسه الحائرة برد الاطمئنان وقد سحرته عيناها البراقتان، وبثتا سحرهما في قلبه الضعيف الأسوار!. . وألهبتا وجدانه، فكان يهرب إليه امن جحيم واقعة لينظر إلىسواد عينيها. إلىتلك البحيرة التي تعكس أنوار مستقبله.

كانت (سناء) جارة الجنب يراها كل يوم. . . زهرة ندية فياضة بالعطر والندى. . فيتطلع إليه ا، وتصده نظرات من عينيها ذوات معان لم يعرفها وهو ابن العشرين. . . ولكنه كان يحس في قرارة نفسه بأن النظر إليه اشيء جميل جداً ورائع جداً. . وكان سحر العيون أشد من كل سحر قلبه، لا يستطيع أن يرده بإرادة ولا أن يخمده ببرود. . . وكانت عيناها البراقتان كفيلتين بإذكاء النار الخالدة في قلبه!. . . وأي شيء كان أضعف من قلبه؟!

وشعر بأنها هي الأخرى تحبه، فقد انبجس له من افترار شفتيها، وانطلاق روحها، وانبساط محياها أمل حلو في أنها تحبه، وتبادله عاطفة بعاطفة مثلها. . . وإنه لن ينسى تلك الليلة الحلوة الممتعة عندما رجع إلىالبيت فرآها تنتظره بقوامها الرشيق، وتحرك أوتار قلبه بابتسامتها، وتحدثه بعينها الحسنتي التعبير. . . وعندما اقترب منها عبق في وجهه عطر خدّر أوصاله!. . . وعندما دلف إلىبيته كانت شفتاه نديتين!. . . وكان حبه قد أينع عن ثمر حلو المساغ!

وأطلت من شفتي عبد الرحمن ابتسامة وقد وصل إلىهذا الموضع وقال في نفسه:

- هذه القمة السامقة من كل حب. ولكن لا بد للإنسان من الانحدار حين يصل إليه ا.

- لقد صدق الفرنسيون حين قالوا: (الحب يولد بالنظر، وينمو بالقبل، ويموت بالدموع). . فلا بد من الدموع.

وكأنه أحس بمرارة الدموع. . فقد كانت القبل تسكره، وتذهب باتزانه. . . فهام مع أحلامها في واد محرم. . وظل يهوم فيه حتى استفاق على صوت أبيها يزمجر ويقطع كل سبب من أسباب حبه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>