الإنسان، والمعرفة الموضوعية التي تتعلق بالأشياء الخارجية لم تعرف الحياة يوماً من الأيام، ومهما تحدث العلماء عن علم نقي خال من آثار الإنسان وأهواء البشر فلن يجدي شيء من هذا الادعاء في تخفيف أو محو ما تلقيه الذاتية من ظلال على معامل التجربة، وسوف تبقى نتائج الطبيعة خاضعة للمزاج والإرادة إلى أقصى درجة.
فهناك حدث لا شك فيه وهو أننا نعتمد على أنفسنا اعتماداً كبيراً في استقصائنا للمعلومات عن العالم الخارجي وتصورنا للأشياء التي لا تدخل في نطاق التجارب العادية بالنسبة إلى الإنسان. ومن ثم وجب أن تصطبغ كل مادة لتفكيرنا، وكل موضوع أعمالنا، بقوانا الذهنية في التخيل والإدراك وبنوازعنا النفسية في الهوى والجنوح. أو قل أنه ما من شيء من الأشياء يستطيع أن يتقرر في الذهن وأن يتحقق في دائرة معارف الإنسان من غير أن يمر بالنفس التي تعده الإعداد الكافي وتنقحه التنقيح الواجب. ولا تَغرنَّك ادعاءات الرجال الذين يشتغلون بالعلم في هذا الباب لأنأقوالهم لا تصدق ولا تستحق الاحترام إلا من جهة واحدة حينما ننظر إليها على أنها ضرب من الحلم أو التمني البريء. وكذلك الأمر في مسألة الإلة؛ فنحن حيارى وسط مظاهر الحياة وبين جدران الطبيعة التي تظلنا من كل جانب، ونبدو أمام أنفسنا كالتائهين الذين يتطلعون إلى السحب القاتمة عسى أن تبرق، وإلى الآفاق المدلهمة عسى أن تضيء. ومهما تبدت لنا دلائل الإعجاز من حولنا أو تكشفت لأعيننا حقائق الباطن المستور فإننا لا نكاد نخلص من الحيرة ولا ننتهي من الشك ولا نقف عند حدٍّ من حدود الإرجاف والتخمين. وذلك لرغبتنا في برهان من الواقع المحسوس وميلنا إلى الوقوف على كل ما يمكن أن يكون هنالك سافراً مفضوحاً. ولكن الحقيقة لا تتكشف والباطن لا يبين والقلق لا ينتهي. . . فلنفكر إذا ولنُعمِل عقولنا ولنوجد نحن المشكلة ولنضعها في الصحائف والكتب على النحو الذي نريد. وهكذا انتهينا إلى تصور الله وتخيله، وشبهناه وقربناه، فكانت آراؤنا من قبيل الأمنية، وكانت أفكارنا ضرباً من الأحلام، ولا يستطيع واحد من الناس أن يزعم أن الإله الذي قدره هو نفسه الإله المشرف على نظام الكون والمدبر لأمور الناس. ولا يملك واحد من الناس القدرة على إثبات التطابق بين الإله الذي وصفه والإله الموجود فعلياً. فالله هو الله؛ أما آلهتنا التي نصفها فهي من قبيل المحاولات التي يجوز أن تتجه اتجاهاً صحيحاً، ويجوز في الوقت نفسه ألا يكون لها أي