فالآلهة التي نتحدث عنها والتي نصف أفعالها إنما هي صدى لحياتنا العملية بما فيها من نقص واضطراب. فالله يشفي المرض لأننا نمرض، ولو لم يكن المرض من لوازم حياتنا المعيشية لما تصورنا الله قادراً على شفاء الناس من الأمراض. والله هو السبب في المكاسب والخيرات، وهوالذي يهدي إلى سبيلهم ويطعمهم ويسقيهم. وبعبارة موجزة: يأتي الله كل الأعمال الوظيفية التي لا تعدو أن تكون ضمن المطالب العادية. وكلما فكرنا في الله وصفاته لم نستطع أن نخرج به عن هذا الحيز الضيق وعن هذا النطاق المحصور، لماذا؟ لأن الأرض مسرح لها ولأن حياة الناس ملأ بهذه الأشياء التي ترضيهم أحياناً وتسوءهم أكثر الأحيان.
فالله الذي نعترف به ونقر بوجوده ونسلم بسلطانه أسير حياتنا الدنيوية ويمكن وصفه بأنه إله إنساني - إن صح التعبير - مرَّ بالعقول قبل أن تؤمن به الصدور، وامتحنه الخيال قبل أن تسلم به الروح، واستأثرت به المصلحة قبل أن ينفذ إلى عالم الضمائر. ولذلك نستطيع أن نجد فيه مشكلتنا نحن أنفسنا لا مشكلة الله، ونستطيع أن نلمس فيه ضعفنا بارزاً وأن نجد عنده آلامنا واضحة وأن نصادف على وجهه مسحة الهم البشري.
قال سارتر عندما كتب عن قصة ضياء أغسطس لفولكنيه:(تصير القصص الجيدة بُعِد قليل شبيهة تماماً بالظاهرات الطبيعية. إننا ننسى أن لها مؤلفاً وننظر إليها نظرتنا إلى الأحجار والأشجار لأنها هنالك، ولأنها موجودة.) ونستطيع القول عن الذين يتحدثون عن صفات الله إن كلامهم يصير بمضي الزمن حقيقة راسخة في نفوسنا وننظر إلى أحكامهم على أنها أمور مقطوع بها وننسى غالباً هؤلاء الذين صدرت عنهم وبدرت منهم في ظرف من الظروف. والغريب في هذه المسألة هو أننا نأخذ كلامهم مأخذ الجد ونخضع أنظارهم للبحث والنقد ونجعل منها بعد حين موضوعاً للجدل والنقاش. هذا مع أننا نستطيع من أول الأمر أن نريح أنفسنا بأن نفرق بين هؤلاء وبين الوقائع الصحيحة، وبين ما نريده نحن وبين ما هو حاصل بالفعل.
فالإنسان لا يملك إلا أن يفكر وأن يقدح ذهنه في مسائل الكون التي تشغل باله وتقلل من راحته وهدوئه. وهذا طبيعي ومقبول منه إذا لم يأت بعد ذلك ليصف لنا أشياء، لم يطلع