للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تبدو من وراء الحسن (عيونا). . . فتحها الفجر!

ووقفة عند المقطوعة الثانية والثالثة. . . هنا نقلة أخرى لا تبعد بنا كثيرا عن نقطة البدء الشعورية. تختلف الأدوات بعض الاختلاف وتتغير بعض التغيير، ولكننا لا نزال نستروح الاتسام الأولى تهب علينا من نفس الأفق. . . وسترى إن الوحدة الفنية هي التي رضت على الشاعر أن ينحرف بخط الاتجاه النفسي وهذا الانحراف الذي يمهد لما بعده، تبعا لهذه التعريجة الجديدة في منعطف الطريق إلى المقطوعة الرابعة. وانك لتلمس بوادر هذا الانحراف في البيت الثالث من المقطوعة الثانية، وذلك البيت الذي يبدأه الشاعر بمناجاة العيون المطفأة في وثبة ممتازة من وثبات الأداء النفسي عندما يقول: (امهد النور). . . وماثلك البوادر إلا نفحات من العزاء، العزاء المتمثل في المشاركة الوجدانية بين الطبعتين، هناك حيث تتمزج اللوعة في النفس الإنسانية بشيء من الاعتراض المهذب على حكمة القدر. . . وأي عزاء هو؟ أنه عزاء في منطق الشاعر أو في منطق الشعور وبهذا المنطق أيضاً تواجه الإنسانية قضاء السماء! إذا كان واقع الدنيا قد ضاق بالعيون المطفأة ففي خاطر الدنيا وفي خواطر الأحياء ومتسع للضياء ولأباس من أن يتواري السنا للما في أعماق الجراح، جراح القلب الإنساني حين تدميه مخالب الأيام! ترى كم يلفح شعور هذا الهتاف تلفه الثورة المذبة في قوله: (آري الأقدار يا حسناء. . . أريها موضع السهم)؟ أن الأقدار قدرات من غير شك ولكنه الأداء النفسي الذي يتغير للفض في صيغة الأمر. . . لأمر لا يخفى على البصراء!

وفي المقطوعة الرابعة تستقر النقطة للارتكاز في الوحدة الفنية حين ينتهي خط الاتجاه النفسي بعد تلك التعريجة في منعطف الطريق. . . ونقطة الارتكاز هنا محورها الاستعانة بالمعنى الحسي التي تصب في مقالبة الحركة النفسية. وأين هو المعنى الحسي هنا؟ هو في الإيحاء المعبر عنه بالاشتفاف جمال الكون عن طريق اللمس وفي الإشعاع الذي يحمله البيت السابق حين يعرض للحاضر المبلل بدموع اليوم والماضي المجلل بسواد اللمس!. . . ولا تضن إن الشاعر يقصد المعنى المادي كما يفهمه شعراء الأداء اللفضي، وكلا. فما يشتف جمال الكون عن طريق اللمس بالأصابع وإنما يشتف عن طريق اللمس بالأوتار، وهذه هي الحركة النفسية التي تفرق في الشعر بين أداء وأداء!

<<  <  ج:
ص:  >  >>