للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

علي طه في المقطوعة الخامسة يطرق أبواب هذا المعنى الذي أشرت أليه، يطرقها الطرقة الأولى التي تعقبها بعد ذلك طرقات وتستطيع أن تسمع هذه الطرقة في البيت الثاني من هذه المقطوعة عندما يقول: (خذي القيثارة). . . أن القيثارة هنا هو السلم الطبيعي الذي ترتقي الموسيقية العمياء ألي هذا الكون لتستطيع أن تلمس عن طريق الأوتار جماله المفقود وستسمع بقية الطرقات عندا نصل إلى المقطوعة العاشرة، هناك حيث يكون القيثار معبرها إلى شتى العوالم والأكوان:

حوى الآمال والآلام والفرحة والحزنا ... حوى الآباد والأكوان في لفظة وفي معنى!

شاعر الأداء اللفظي عندما يقف بك عند المعاني الجامدة المعاني التي تختنق بين الألفاظ الغارقة في لجج المادية البغيضة، ولكن شاعر الأداء النفسي هو من ينتزع من رأسك كل تهويمة ذهنية ليرددها إلى شعورها تهويمها روحيه، وهنا تجد على طه. . . لم يقف بك عند معنا (اللمس) كما يوحي به البيت الذي ورده فيه، ولكنه انتقل بك على الفور إلى مكانه المنشود من الأداء الذي يتطلع إليه النقد ولا يتطلع إلى أداء سواه. لو وقف عند المعنى المادي كما ينبأ عنه ظاهر اللفظ لبدا الأداء سخيفا في رأي الفن، وبدا العزاء تافها في رأى كل ضرير تطلب إليه أن يستعيض عن الضياء المفقود بالمس المعهود!

وفي البيت الثالث من هذه المقطوعة لون من ألوان المقابلة، ولكن أي لون هو؟ اهو لون المقابلة بين لفظ ولفظ على أتساس تلك الذاتية البينية التي يلجأ إليها عشاق الطلاء من الشعراء؟ أن المقابلة في الشعر يجب أن تكون لقاء بين موجتين صوتيتين: تندفع إحداهما من سطح الحياة الأعلى وتندفع الأخرى من قرار الشعور العميق، وعند نقطه الالتقاء بين الموجتين نستطيع آذن القاري أن نتلقى صوت الشاعر ممتزجا بصوت الحياة. . . في هذا المعرض النفسي للوحات الشعر التصورية تطالعنا هذه اللوحة:

وهزي النجم إشفاقا ... لنجم غير وقاد!

ولا حاجة بي أن اقف بك عند المشاهد التعبيرية في المقطوعتين التاليتين، لأنهما تتفق في النسق والتصوير مع المقطوعات السابقة. ولك أنت أن تطبق عليهما تلك المقاييس الفنية التي قدمها إليك.

ولكن الوقفة التي يجب أن تطول فهي عند المقطوعة الثامنة والتاسعة والعاشرة. . . هنا

<<  <  ج:
ص:  >  >>