مجال (الرؤية الشعرية) التي يقسمها النقد الحديث إلى قسمين: قسم يتصل بالطبيعة النفسية وقسم يتصل بالطبيعة المادية. والرؤية الشعرية بكلا قسميها وترمز إلى مقدرة الشعر في الاستشفاف الدقيق للحقائق سواء أكانت في حدود المنظور أو خلف حدود المنظور، في محيط الوعي أو فيما وراء الوعي في نطاق الاستيطان النفسي أو في نطاق التناول الحسي. فالشاعر الذي يرسم خطوط الصورة الفنية في أي ميدان من هذه الميادين، ثم نلمس في تلك الخطوط شيئا من الاهتزاز يخرج بها عن قانون النسب والأبعاد، مثل هذا الشاعر تحكم عليه بضعف الرؤية الشعرية! والشاعر الذي يتناول مفتاح الشخصية الإنسانية ليعالج به فتح المنافذ المؤدية إلى غابته من كشف مغاليق النفس، ثم ندرك أنه قد عالج المنافذ الجانبية وغفل عن المنفذ الرئيسي الذي يتدفق منه الضوء إلى كل حنية وكل ركن، مثل هذا الشاعر نحكم عليه بضعف الرؤية الشعرية!
هذه الرؤية الشعرية تجدها على خير حالاتها من القوة والنفاذ في هذه المقطوعات الثلاثة التي يجب إن تطيل عندها الوقوف. . . إن الجناح هنا قد اختار افقه النفسي الذي يكون للتحليق في أثره وصداه. وما هو هذا الأفق النفسي الذي نعنيه؟ هو ذلك المنفذ الرئيسي الذي عالجه الشاعر بمفتاح الخبرة العميقة بمسارب الطبيعة الأنثوية. . . لم يقل يا حسناء، ولكنه قال يا حواء! قالها لأنه في مجال السؤال عن اثر الحب في حياة الأنثى الخالدة، وقالها لأنه في مجال الرصد لهزات القلب من جنبي الأنثى الخالدة، وهذا هو الأداء النفسي بالنسبة إلى اللفظ الشعري، أما هذا الأداء بالنسبة إلى الجو الشعري فهو في تلك الطرقة الرائعة للباب الكبير عن أي شيء تسال المرأة وقد فقدت البصر وحرمت إلى الأبد نعمة الضياء؟ عن العاطفة الخالدة في كيانها خلود الطبع. . عن الحب! وهل هناك من أمل يبقى للعمياء غير هذا الأمل؟ أنه الضوء الوحيد الذي يمكن أن يبدد ظلام الحياة. . . والسؤال هنا ليس سؤال عن الحب وكفى، كلا. ولكنه السؤال الذي يعرف طريقه:
عرفت الحب يا حواء أم مازال مجهولا؟
وافترض الشاعر إنها قد عرفته. . . وتبعا لهذا الافتراض مستندا إلى البيت الذي يليه هتف أعماقه: