واطمأنت نفسك حين جاء الشاب يقص عليك - أول مرة قصة الغيط ومافية، ينشر أمامك نواحي العمل، ويبحث معك فنون الزراعة، فتسهلت له في السؤال وتيسرت له في القول، وأحس هو منك الغفلة والضعف، فأنطلق في سبيله ويبعثر في مالك في غير رفق ولا هوادة وركنت أنت إلى الراحة وسكنت إلى العبادة ولا يحز بك أمر ولا يرهقك طلب. وسوست لك زوجك وللمرأة لسان ناعم أملس كجلد الأفعى، ولها الحديث الطري وينسرب في مسالك القلب مثلما يسري سم الثعبان، فما لبثت إن نزلت عن كل مالك ومالها لوحيدك الطائش. وغاب عنك انك بمالك بين يدي لوثة الشباب وتقذف بمال زوجك إلى هوة الضياع.
أحس الفتى أنه اصبح رب هذا البيت، فأراد أن يمكر بك فيحول بينك وبين خلجان الريبة في قلبك ونزوات الضنة في نفسك، فحباك بالمال - بادي ذي بدئ - واسبغ عليك من فيض غلاتك وخصك بالطيب من الطعام وبالغالي من اللباس، وأنت في مكانك لا ترم. فشكرت له عقله الراجح وحمدت له عطفه الوثاق، وسعدت ببره السابغ. ليتك - يا صاحبي - نظرة بعين الرجل العاقل المجرب إلى زلات ابنك الفتى وهو ينحط إلى الدرك الأسفل من الرذيلة في غير وعي أو عقل. أنه الآن يتملقك ليزدل على عينك ستارا كثيفا من الخديعة لا تستشف من وراءه ما يخبئ لك القدر من الضيق والعنت.
ومرت الأيام تصفعك بالشيخوخة الباكرة من طول ما ركنت إلى الراحة، وتقذفك بالزمان من طول ما خاصمت الحركة فذوي عودك وانطوى بشرك ورانت عليك سحابة من الكابة والحزن.
يا لقلبي، لقد اغترك الثراء عن أن تكسب العيش بالكد وصرفك الولد عم أن تقوم علا شانك بالجهد، فقضيت سنوات من عمري على كرسي وثير في ناحية من دارك الأنيقة بين رفاق الود وأخوان الصفاء، فمري الأداء في مفاصلك ويطحنك في غلطة ويعقدك في عجز. فنضرت حواليك فإذا أخوك الأكبر - وهو يكبرك بسنوات وسنوات - يسير بقدميه المسافات الطويلة بالقوة والنشاط لا يصيبه النصب ولا الإرهاق، لأنه عاش عمره يصارع أمواج الحياة ويكافح شدائد الدنيا يظفر بقوته وقوة عياله. تمنيت لو انك عشت مثله فقيرا لا