الناس ودعوتهم إلى مذاهبهم الباطله، فينزلون القرآن على وفق رأيهم ومذهبهم، في أمور يعلمون قطعا أنها غير مراد.
الوجه الثاني أن يتسارع إلى تفسير القرآن بظاهر العربية من غير استظهار بالسماع والنقل فيها يتعلق بغرائب القرآن، وما فيه من الاختصار والحذف والإضمار والتقديم والتأخير. فمن لم يحكم ظاهر التفسير، وبادر إلى استنباط المعاني بمجرد فهم العربية كثر غلطه، ودخل في زمرة من فسر القرآن بالرأي، والنقل والسماع لابد منه في ظاهر التفسير أولا، ليتقي به مواضع الغلط، ثم بعد ذلك يتسع الفهم والاستنباط. والغرائب التي لا تفهم إلا بالسماع كثيرة، ولا مطمع في الوصول إلى الباطن قبل أحكام الظاهر؛ إلا ترى إن قوله تعالى:(وآتينا ثمود الناقة مبصرة، فظلموا بها)، معناه آية مبصرة، فظلموا أنفسهم بقتلها. فالناظر إلى ظاهر العربية يظن إن المراد به أن الناقة كانت مبصرة، ولا يدري بما ظلموا. . فهذا من الحذف والإضمار. وأمثال هذا في القرآن كثير؛ وماعدا هذين الوجهين فلا يتطرق النهي أليه.
وترى من هذا نموذجا لمناقشاته من ناحية، وأنه ليس من هؤلاء الذين يقفون عند حد النقل عن السالفين، يعمل فكره في الاستدلال والاستنباط، لا لمجرد الهوى، ولكن اعتمادا على قوانين العلوم، ووقوفا عند حدودها، واخذ عن السلف ما يرى ضرورة الأخذ به. من تفسير المجمل وحل الشكل.
وبدأ القرطبي تفسيره بعدة أبواب رآها قبل الدخول في التفسير، وأوضح لنا الخطة التي انتهجها في كتابه بقوله:(وبعد، فلما كان كتاب الله هو الكفيل بجمع علوم الشرع الذي استقله بلسانه ولفرض، ونزله به أمين السماء إلى أمين الأرض، رأيت أن اشتغل به مدى عمري، واستفرغ فيه منتي بأن اكتب فيه تعليقا وجيزا، يتضمن نكتا من التفسير واللغات، والأعراب والقراءات، والرد على أهل الزيغ والضلالات، وأحاديث كثيرة شاهدة لما نذكره من الأحكام ونزول الآيات، جامعا بين معانيها، ومبينا ما أشكال منها بأقاويل السلف، ومن تبعهم من الخلف. . . وشرطي في هذا الكتاب إضافة الأقوال إلى قائليها، والأحاديث إلى مصنفيها، فإنه يقال: (من بركة العلم أن يضاف القول إلى قائله). . . وأضربت عن كثير من قصص المفسرين، وأخبار المؤرخين، إلا ما لابد منه، ولا غناء عنه للتبيين، وأعتضت