ويلاحظ أن الروح العسكري الذي ظهر في عهد سعيد قد اختفى اختفاء تاما في عصر إسماعيل ليسما بعد هزيمة الجيش المصري في الحبشة هزيمة ساحقه، وبعده أخلاق المدارس الحربية التي فتحت في أوائل عصره، وبعد تغلغل النفوذ الأوربي في المصالح ودواوين وزوال هبة الحاكم المصري. لذلك لم يتغن الشعراء بالجيوش المصرية ولا بمعداتها وأسلحتها، ولا بقدامها وبسالتها، كما فعلوا في عهد سعيد، بل خرست ألسنتهم وامسكوا عن الخوض في هذا الموضوع.
أنتهي عصر إسماعيل وجاء عصر توفيق (١٨٧٩ - ١٨٩٢م) فوجدوه أمامه مهمة شاقه فكان الشعب بأن المظالم والكوارث التي حلت به أيان حكم الخديوي السابق، ويرزح تحت أعباء الضرائب الباهظة التي أثقلت كاهله، فلا عجب إذا تطلع الناس إلى حكم جديد ينشر العدل ويقضى على الظلم.
وقد عبر الشعراء عن ذلك فيما تضموا مدائح في الخديوي الجديد.
قال السيد علي أبو النصر يخاطب توفيقا.
نرجوه إنجاز إصلاح الشؤون عسى ... يصفو به الملك دانيه وشاسعة
فأن آمالنا أمته. جازمة ... بأنها لا ترى شهما يضارعها
فكن مجيبا أبي العباس دعوتها ... فباب عطفك باقي البشر قارعه
ووال فضلك يا خير الولاة لمن ... والى لأمرك يشقى من يراجعه
واستنتج الرأي إصلاحا فقد حجبت ... شمس الهدى بسحاب فاض هامعه
وطهر الملك من علت ومنهم ... تقوده للقضا جهلا مطامعه
إلى أن قال:
فان رعيت وراعيت الحقوق فما ... أولاك بالمدح يتلوا الحمد بارعة
وقال السيد صالح مجدي من قصيدة يخاطب بها الخديوي توفيق
وتعمل في رد المظالم فكرة ... بنور الهدى طول المدى تتوقد
وتطوى بلا ريب سجل المطامع ... لها كان قبل الآن غيرك يفرد
وتصرف في نشر القناعة ما به ... بحار الملاهي والشراهة تنفد
وتنسج أحكاما قضت بابتداعها ... أمور نهى عنها النبي محمد