الصالحية التي أسسها السلطان أيوب. وهذا يدل ضمناً على وجود اتصال وثيق بين مصر واليمن، كما يدل أيضا على بطلان الزعم القائل بان لفظ بحرية يرجع إلى بحر النيل وذلك بعد أن ثبت فعلاً وجود فرقة من المماليك البحرية بعيدة عن مصر والنيل.
ومهما يكن من شيء فقد استطاع قتلة السلطان نور الدين أن يجذبوا بقية المماليك إلى جانبهم وان ينادوا بابن أخ السلطان القتيل يدعى فخر الدين، سلطاناً على اليمن، ويسيروا معه نحو العاصمة زبيد لاحتلالها، ولكن الدار الشمس ابنة السلطان المتوفى استطاعت أن تدافع عن المدينة ببسالة ريثما يجيء أخوها الملك المظفر بن نور الدين الذي كان مقيماُ بحصن المهجم، والذي حينما علم بوفاة أبيه وأطماع ابن عمه في ملك اليمن أسرع من فوره نحو زبيد في فبراير سنة ١٢٥٠م، وصار كلما مر بقبيلة من العرب استخدم خيلها ورجالها حتى تجمع له جيش قوي أوقع الرعب في صفوف أعدائه. وعلى أثر ذلك اجتمع رؤساء المماليك وأعيانهم وهم غالبية جيش الأمير فخر الدين وكتبوا إلى الملك المظفر يطلبون منه الأمان، مأمنهم على أن يسلموه ابن عمه وجماعة المماليك الذين قتلوا أباه. فأجابوه إلى طلبه ودخل المظفر مدينة زبيد في موكب عظيم في مارس سنة ١٢٥٠ م. واستطاع السلطان المظفر في ظرف ثلاث سنوات أن يستعيد جمع ممتلكات والده التي استقلت عقب مصرعه وأهمها صنعاء والدملوءة وتعز، كما استطاع أن يقضي ثورة على شرفاء الزيدية ومن انضم إليهم من المماليك في صنعاء سنة ١٢٦٠م.
وتروي المصادر المعاصرة أنه في سنة ١٢٦٢ م (٦٥٩ هـ) سار السلطان المظفر بجيش كبير إلى مكة لأداء فريضة الحج. وهناك (طلعت أعلامه الشريفة وأعلام سلطان مصر، فقال له أحد الأمراء: هلاَّ أطلعت أعلامك يا مولانا السلطان قبل أعلام المصريين؟ فقال له السلطان المظفر: أتراني أؤخر أعلام ملك كسر التتر بالأمس وأقدم أعلامي لحضوري). وهذه العبارة إن دلت على شيء فإنما تدل على مقدار النفوذ الذي اكتسبته مصر في أنحاء العالم الإسلامي عقب انتصار سلطانها الملك سيف الدين قطز على المغول في واقعة عين جالوت بفلسطين سنة ١٢٦٠ م.
وكيفما كان الأمر، أجمعت المصادر المعاصرة على أن السلطان المظفر كان حاكماً قوياً موفقاً ولقد لقبه الخزرجي بلقب خليفة في آخر حكمه. وتوفي السلطان المظفر سنة ١٢٩٤