لا تسبوا الريح فإنها من نفس الرحمن، أنها تفرج الكرب، وتنشر الغيث، وتذهب الجدب). وهذا وجه آخر للمسألة يؤول تنفيس الكرب بما تسوقه الرياح من خير، لا بما يشعر به المرء من داخل فنقلوا الظاهر إلى الباطن، وهذا أليق.
قلتَ: وقولهم (شيء نفيس) أرادوا أنه ذو نفس، بالتحريك
قلتُ: وهذا معنى طريف لست أدري أوقع القدماء عليه أم لا، وقد وقفت عنده، وتساءلت أكل متنفس نفيس؟ وفي الصحراء أحياء من نبات وحيوان ينفر العربي منها ويحط من شأنها لقلة نفعها أو مظنة ضررها. وما بالك بالثعبان الذي ينفث السم، أهو شيء نفيس؟ ولعلك زاعم أن النفث بالثاء من النفس بالسين، فيهما معان متقاربة كنفثات الشاعر، في العقد من السحر. أو قائل أن النفش بالشين من ذلك أيضاً، من التفريق والانتشار. قال الحكيم الترمذي في كتاب الرياضة (والنفس مسكنها في الرئة، ثم هي منفشة في جميع الحسد).
قلتُ: الثاه والسين والشين متقاربة، والحروف أصل الألفاظ والأصوات محاكاة للطبيعة أو تعبير عن المشاعر الباطنة. ترى أيكون سر المعنى في النون أو الغاء أو السين؟ أهو في حرف واحد أو في حرفين أم في ثلاثة؟ ولقد زعم قوم أن اللغة العربية ثنائية، ولعلهم على صواب. ثنائية أم ثلاثية فحرف السين جوهري في هذه اللفظة، وإننا لنجده في لغات كثيرة، وليس ذلك من قبيل الاتفاق: في اليونانية بسيشي ونحتت منها في اللغات الحديثة البسيكولوجيا أو علم النفس. وفي الإنجليزية سول وفي الفرنسية أسبريت والأصل في هذا الصوت وهو السين ما يسمعه المرء من صوت الهواء إذا كان نسيماً، فإذا أشتد أصبح صريراً والصاد تشديد السين، وقد يكون الصوت حاء ومنه الرياح والريح، ولذلك قالوا فحيح الأفاعي.
قلت: ثم جاءت النفس بالإسكان في شتى معانيها. وأخال أسبقها الروح، وهل هي إلا أنفاس؟
قلت: هذا مذهب في التوحيد بين النفس والروح. والتحقيق غير ذلك. النفس مؤنث إن أريد بها الروح، ومذكر أن أريد بها الشخص، تقول خرجت نفسه أي روحه، وعندي ثلاثة أنفس فأنثت العدد لأنه عكس المعدود.