اضطره إلى هذا الإطناب الذي لا فائدة منه. وهكذا كان يفعل شعراء هذا الدور.
وإذا رثوا شخصاً بدءوا القصائد بذكر الموت الذي يختار من الناس الجياد، ويصفي الكرام. وأسهبوا وأطنبوا بما لا يخرج عن معنى هذين البيتين:
الناس للموت كخيل الطراد ... فالسابق السابق منها الجواد
والموت نقاد على كفه ... جواهر يختار منها الجياد
أو يشيرون إلى كأس المنون التي تدور على البرية فيشرب منها كل إنسان. ويختمون الرثاء بذكر الحور العين وما يلقاه الميت في الجنة من مظاهر النعيم.
ومثال ذلك قول أحمد عبد الغني في رثاء عبد الله فكري:
فأحله الرحمن أعلى جنة ... وأحله فيها وقد أعلاه
والحور والولدان قد فرحوا به ... واستقبلوه بالسرور وتاهوا
وقول أبي النصر في رثاء أحد العلماء:
فله البشارة حيث حل بروضة ... فيحابها للعلم طيب عاطر
والحور في دار البقا لقدومه ... في الانتظار وبشرها متبادر
وقوله في رثاء طوسون بن سعيد:
فأنعم بروضة قبرك الفيحا وطب ... وأنس بما قدمت من حسنات
ولسوف تمنح ما يسر من الرضا ... ما بين حور ثم مقصورات
بشراك في دار النعيم بمشتهى ... ما تشتهي من يانع الثمرات
وبك الحدائق تزدهي أنوارها ... وإليك يهدى عاطر النفحات
وبجنة المأوى تفوز بما تشا ... من فضل ربك واسع الرحمات
فمن هذا نتبين كيف أن الشعراء يشتركون معا في الوقوع على هذه المعاني. وهذا أكبر دليل على ضيق المجال أمام هؤلاء الشعراء.
وإذا وصف أحدهم اختراعا حديثاً ظهر عجزه واضطرابه. ومثال ذلك قصيدة لصالح مجدي في وصف وابور سعيد مطلعها:
أمدينة من فوق لج الماء ... تجري بأبهج منظر وبهاء
أم هذه إرم بدت وعمادها ... مسبوكة من فضة بيضاء