للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أم ذاك وابور المسرة مده ... صدر البرية أسعد السعداء

فشبه السفينة البخارية بمدينة، ثم شبهها بإرم ذات العماد وهي مدينة كذلك. ثم هوى من بعد ذلك من شاهق فذكر (وابور المسرة) مع أن الصورة التي يتركها في الذهن (وابور المسرة) لا تضارع الصورة التي تتركها إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وذكر كلمة (بيضاء) بعد (الفضة) لغو لأن لون الفضة معروف. ثم شبهها بعد ذلك بالفلك. قال:

فكأن هذا الفلك في تعظيمه ... فلك به تسري نجوم سماء

والذي أوحى إليه بهذا التشبيه هو الجناس بين الكلمتين. والحقيقة أن وجه الشبه معدوم بين السفينة وبين الفلك الذي هو دائرة وهمية تسير فيها النجوم. وذكر (سماء) بعد (نجوم) لغو لا طائل وراءه.

ثم قال:

وكأنه في النهر عند مسيره ... برق يقصر عنه طرف الرائي

ثم قال بعد ذلك بأبيات:

فإذا تصدى للسباق فدونه ... وابور بر طار في البيداء

والاضطراب هنا ظاهر. فهذا الوابور إذا سار سيراً عاديا فهو يشبه البرق، وإذا تصدى للسباق وجرى بأقصى سرعة كان أعظم من وابور البر. فأنت ترى أن الشاعر قد انتقل من صورة رائعة في قوله (برق يقصر عنه طرف الرائي) إلى صورة ضعيفة في قوله (وابور بر طار في البيداء).

ويلاحظ أن الشاعر حينما أراد أن يصف وابور البحر وقف أمامه حائرا متسائلا عن حقيقة أمر هذا الشيء الذي يراه. أهو مدينة أم إرم ذات العماد أم وابور المسرة؟ وهذه الحيرة في إدراك كنه بعض المخترعات الحديثة قد عبر به كل من تصدى لوصفها. فقال رفاعة من قصيدة في وصف وابور البحر:

العقل في الوابور حار ... نبغي الجواب فلا يحير

وقال عبد الله نديم في وصف القطار:

نظر الحكيم صفاته فتحيرا ... شكلا كطود بالبخار مسيرا

ثم إنهم خلعوا على (وابور البر) الصفات عينها التي خلعوها على (وابور البحر). مثال

<<  <  ج:
ص:  >  >>