للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

دونها. والحجران: الذهب والفضة - قد يكون في هذه الدنيا أضوآ من شمسها وقمرها، ولكنها في نور النفس المؤمنة كحصاتين يأخُذها الرجل من تحت قدميه، ويذهب يزعم لك انهما في قدر الشمس والقمر.

وهلاك الناس إنما يُقضي بمحاولتهم أن يكونوا أناسًا بعيونهم وذنوبهم؛ فهذا هو الإنسان المدبرُ عن الله وعن نفسه وعن جنسه؛ لا يكون أبوه أباً في عطفه، ولا أمه أما في محبتها ولا ابنه ابنا في بره ولا زوجته زوجة في وفائها؛ وإنما يكونون له مهالك كما روينا عن رسول الله عليه وسلم (يأتي على يد زوجته وأبويه وولده، يعيرونه بالفقر وبالفقر، ويكلف مالا يطيق؛ فيدخل المداخل التي يذهب فيها دينه فيهلك).

وصاح المؤذن، فقطع الشيخ مجلسه وقام إلى الصلاة، ثم خرج إلى داره فتلقته ابنته وعلى وجهها مثل نوره، قالت يا أبت، كنت اتلو الساعة قوله تعالى: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنه). فما حسنة الدنيا؟ قال: يا بنية هي التي تصلح أن تذكر مع حسنة الآخرة، وما أراها للرجل إلا الزوجة الصالحة، ولا للمرأة. . .

وطرق الباب فذهب الشيخ يفتح، فإذا الطارق (أبو وداعة) وكان يجالسه ويأخذ عنه ويلزم حلقته، ولكنه فقده أياماً. فدخل فجلس. فقال الشيخ: (أين كنت؟)

قال: (توفيت أهلي فاشتغلت بها)

قال الشيخ: (هلا أخبرتنا فشهدناها؟) ثم أخذ يفيض في الكلام عن الدنيا والآخرة. وشعر أبو وداعة أن القبر ما يزال في قلبه حتى في مجلس الشيخ، فأراد أن يقوم؛ فقال (سعيد):

(هل استحدثت امرأة غيرها؟)

قال: (يرحمك الله، أين نحن من الدنيا اليوم، ومن يزوجني وما املك إلا درهمين أو ثلاثة؟)

قال الشيخ: (أنا. . . . . . . . . . . . . .)

أنا، أنا، أنا. . دوي الجو بهذه الكلمة في إذن طالب العلم الفقير، فحسب كأن الملائكة تنشد نشيداً في تسبيح الله يطن لحنه: (أنا، أنا، أنا. . .)

وخرجت الكلمة من فم الشيخ، ومن السماء لهذا المسكين في وقت واحد، وكأنها كلمة زوجته إحدى الحور العين.

فلما أفاق من غشية إذنه. . . قال: (وتفعل؟)

<<  <  ج:
ص:  >  >>