وسيلة لم تكن مأمونة العواقب على كل حال، لأنها دفعت بصاحبتها إلى أن تغشى مجالس فيها اللهو والعبث والمجون، وفيها المشاركة في اللذات والانغماس في الشهوات ولا مناص عندئذ من الاستجابة لفنون الأغراء شأن كل جميلة من بنات حواء، وبخاصة إذا ما كانت صاحبة مزاج شاعري كمزاج رابعة، تقوده رهافة الحس وصفاء الطبع وجموح الخيال!
كانت فنانة، وكانت إنسانة. . . وفي الفن تسطع ومضات الرؤى وتتوهج الأحلام، وفي الإنسانية تشف نبضات الهوى وتفيض منابع الإلهام؛ وبهذين السلاحين راحت رابعة تشق صفوف البشر باحثة عن حبيب! ولكن الأرضليست موطناً لهذا الحب المثالي الذي ينشده الفن خالصاً من الشوائب وتبتغيه الإنسانية مبرأ من الأهواء. . . وإذن فلا مناص من أن تولي الفنانة الإنسانة وجهها شطر السماء!
وبدأت نقطة التحول في حياة رابعة. . . إن الماضي الجميل في كنف الحبيب الأعظم لا يزال يطل بذكرياته من خلف ستائر الضباب، وإن القلب الممنى لا يزال يبحث عن قطرة ماء يمكن أن تطفئ ظمأ هواه، وإن الخيال الحائر لا يزال يرقب الأفق البعيد في لهفة المتطلع إلى ما وراء الغمام. ومرة أخرى يمتد ذلك الخيط الإلهي غير المنظور، وتتعلق به رابعة لتصعد إلى السماء متكئة على يد الله!
وكان حباً عظيماً لأنه وليد إيمان عظيم. . . وإذا ما أحبت المرأة من أعماق قلبها فلا شيء في الدنيا يصرفها عن هذا الحب، مهما اعترضت طريقها المحن وامتحنت روحها المغريات! إنها تؤمن بحبها هذا الإيمان الخالص تبذله من ذات نفسها دون أن تنتظر عليه شيئاً من الأجر أو أشياء من العوض. حسبها أن تهب قلبها لمن تحب، وحسبها أن تفني فيه وتذر له الحياة، وحسبها أن تخرج من هذا الفناء بكثير من العزاء!
وأنها لتقدم الدليل من نثرها حيث تناجيه في هدأة الليل والناس نيام:(إلهي! أنارت النجوم، ونامت العيون، وغلقت الملوك أبوابها، وخلا كل حبيب بحبيبه، وهذا مقامي بين يديك)!. . . فإذا أسفر الصبح هتف في موكب الشجن وقدة الهيام:(إلهي! هذا الليل قد أدبر، وهذا النهار قد أسفر، فليت شعري: أقبلت مني ليلتي فأهنأ، أمرددتها علي فأشقى؟! فوعزتك هذا دأبي ما أحييتني وأعنتني، ولو طردتني عن بابك ما برحت عنه لما وقع في قلبي من محبتك)!. . . وإنها لتقدم الدليل من شعرها مرة أخرى حيث تقول: