فما الحمد في ذا، ولا ذاك لي ... ولكن الحمد في ذا وذاكا
وتسوق بعض المصادر هذه الأبيات في موقف اللقاء بينهما وبين (ذي النون المصري) حيث تطالعنا هذه القصة: (قال سعد بن عثمان: كنت مع ذي النون المصري رحمه الله في تيه بني إسرائيل، وإذا بشخص قد أقبل، فقلت: يا أستاذ! شخص قد أتى. فقال لي: أنظر من هو، فإنه لا يضع قدمه في هذا المكان إلا صديق. فنظرت فإذا هي أمرأة، فقلت: إنها امرأة. صديقة ورب الكعبة. فابتدر إليها وسلم عليها فقالت: ما للرجال ومخاطبة النساء! فقال: أنا أخوك ذو النون ولست من أهل التهم. فقالت: مرحباً، حياك الله بالسلام. فقال لها: ما حملك على الدخول في هذا الموضع؟ فقالت: آية من كتاب الله عز وجل، قوله تعالى: (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها)؛ فقال لها: صفي لي المحبة، فقالت: سبحان الله! أنت عارفٌ بها وتتكلم بلسان المعرفة وتسألني عنها؟! فقال لها: للسائل حق الجواب. فأنشدت تقول:
أحبك حبين حب الهوى=وحب لأنك أهلٌ لذاكا
هذه نماذج من النثر والشعر تصور هذا الحب الإلهي في إطارها لخالد، وأنها لقليل من كثير. . . وأي إطار هو؟ أنه إطار اللهفة الضارعة التي تنشد الرضا عن هذا الحب ولا تنشد سواه، وتلجأ إلى كل وسيلة من الوسائل بغية الكشف عن أثر البذل والتضحية في حساب الخالق العظيم. . . وإنه لحساب لا يخطئ التقدير حين يزن بذل الباذلين وتضحية الصابرين، وأي بذل وتضحية في حياة رابعة أبلغ من أن تقص خادمتها (عبدة) من أنبائها فتقول: (كانت رابعة تصلي الليل كله، فإذا طلع الفجر هجعت في مصلاها هجعة خفيفة، فكنت أسمعها تقول إذا وثبت من مرقدها وهي فزعة: يا نفسُ، كم تنامين! وإلى كم تقومين؟ يوشك أن تنامي نومة لا تقومين منها إلا لصرخة يوم النشور)! أو أن تحدث هي عن نفسها فتقول: (إني لأضن باللقمة الطيبة أن أطعمها نفسي، وإني لأرى ذراعي قد سمن لأحزن)!. . . أو أن يقول عنها ابن منظور: (دخلت علي رابعة وهي ساجدة، فلما أحست بمكاني