محل شيخه إلا أن يأمر، وليس محله هو إلا أن يطيع، وإن من الرجولة إلا يكون معرة على الرجولة، ثم نكس وتنكس، وقال بذلة ومسكنة: (ما تأمرني؟)
تفتحت السماء مرة ثالثة، وقال الشيخ: (انك كنت رجلاً عزباً، فتزوجت فكرهت إنً تبيت الليلة وحدك؛ وهذه امرأتك!)
وانحرف شيئاً، فإذا العروس قائمة خلفه مستترة به، ودفعها إلى الباب وسلم وانصرف.
وانبعث الوجود فجأة، وطن لحن الملائكة في إذن أبي وداعة: (أنا، أنا، أنا. . .)
دخلت العروس الباب وسقطت من الحياء، فتركها الرجل مكانها، واستوثق من بابه، ثم خطا إلى القصعة التي فيها الخبز والزيت، فوضعها في ظل السراج كي لا تراها؛ واغمض السراج عينه ونشر الظل. .
ثم صعد إلى السطح ورمى الجيران بحصيات؛ ليعلموا إنً له شأناً اعتراه، وإنً قد وجب حق الجار على الجار (وكانت هذه الحصيات يومئذ كأجراس التليفون اليوم) فجاءوه على سطوحهم وقلوا: ما شأنك؟.
قال: (ويحكمّ! زوجني سعيد بن المسيب ابنته اليوم، وقد جاء بها الليلة على غفلة.)
قالوا: وسعيد زوَّجك! أهو سعيد الذي زوَّجك! أزوَّجك سعيد؟.)
قال: (نعم)
قالوا: (وهي في الدار! أتقول إنها في الدار؟.)
قال: (نعم)
فانثال النساء عليه من هنا وههنا حتى امتلأت بهن الدار.
وغشيت الرجل غشية أخرى فحسب داره تتيه على قصر عبد الملك ابن مروان، وكأنما يسمعها تقول: (أنا، أنا، أنا. . . .)
قال أبو وداعة: (ثم دخلت بها، فإذا هي من اجمل الناس وأحفظهم لكتاب الله تعالى، وأعلمهم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعرفهم بحق الزوج.)
قال: (ومكثت شهراً لا يأتيني سعيد ولا آتيه، فلما كان بعد الشهر أتيته وهو في حلقته فسلمت، فرد عليّ السلام، ولم يكلمني حتى تفرق الناس من المجلس وخلا وجهه، فنظر إليّ وقال: