من الكلمات الإفرنجية إلى أصول عربية كقوله مثلاً: إن كلمة الفرنسية ومعناها الأحمق، مأخوذة من الكلمة العربية بأقل العي العربي المشهور، ويقول إن القاف في العربية تكون كافاً في اللاتينية وسيناً في الفرنسية؛ فإذا رددناها إلى اللاتينية وجردناها من الزوائد كانت باكول أو باقل. وقد افتعل عليه أدباء الشام والعراق طرفاً من مثل ذلك فزعموا أنه يقول إن (جرسون) أصلها العربي جار الصحون، خففت الراء والصاد ثم حذفت الحاء لعسر النطق بها.
ولقد غلا الأقدمون في تقديس اللغة العربية حتى أدعو أن واضعها الأول هو الله سبحانه، محتجين بقوله تعالى:(وعلم آدم الأسماء كلها) وهي حجة لا تنهض بدعواهم إلا إذا ثبت أن الأسماء التي علمها الله آدم كانت عربية. والذين فندوا هذا الرأي وقالوا إن اللغة اصطلاح لا توقيف، أكبروا هذه اللغة عن أن يضعها الأعراب والأوشاب والعامة، فتوهموا لها واضعاً لم يسموه ولم يعرفوه، وإنما تخيلوه منقطعاً في خيمته للوضع، كما ينقطع الناسك في صومعته للعبادة، فيذهب إليه الناس كما يذهبون اليوم إلى القصاب والبدال، يسألونه ما اسم هذا الشيء، وما لفظ هذا المعنى، فيجيبهم عما سألوا فيحفظونه وينشرونه. قال صاحب الخصائص:(إن واضع اللغة لما أراد صوغها وترتيب أحوالها هجم بفكره على جميعها، ورأى بعين تصوره وجوه جملها وتفصيلها؛ وعلم أنه لابد من رفض ما شنع تأليفه نحو هع وقج فنفاه عن نفسه).
وقال صاحب المثل السائر:(حضر عندي رجل من علماء اليهود بالديار المصرية، فجرى ذكر اللغات وأن اللغة العربية هي سيدة اللغات، فقال اليهودي: وكيف لا تكون كذلك وإن واضعها تصرف في جميع اللغات السالفة فاختصر ما اختصر وخفف ما خفف؛ فمن ذلك اسم الجمل، فإنه عندنا في اللسان العبراني (كوميل) فجاء واضع اللغة العربية وحذف من الكلمة الثقل المستبشع وقال (جمل) ولقد صدق في الذي ذكره).
هذه القداسة أيها السادة التي كسبتها العربية من القرآن والحديث، أكسبتها هي أيضاً العرب وجزيرة العرب في تلك الحقبة المحدودة. مصداق ذلك أن علماء المصرين البصرة والكوفة لم يدعوا في البوادي العربية بقعة ولا صخرة ولا نبتة ولا حشرة ولا وجهاً من وجوه الأرض، ولا ظاهرة من ظواهر السماء، إلا عرَّفوها ووصفوها وسجلوها، ورووا ما قيل