للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولقد كان لنا أيها السادة غُنية عن هذه الفتوى بحكم الرسول صلوات الله عليه حين سمع أن منافقاً نال من عروبة سلمان الفارسي فدخل المسجد مغضباً وقال: (يا أيها الناس، إن الرب واحد، والأب واحد، وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم، وإنما هي اللسان، فمن تكلم بالعربية فهو عربي). ونحن بحمد الله نتكلم العربية ونحرص عليها ونتعصب لها ونريد أن نهذب منها ونزيد فيها.

وكان بحسبنا في تزييف قول ابن فارس: (ليس لنا اليوم أن نخترع ولا أن نقول غير ما قالوه، ولا أن نقيس قياساً لم يقيسوه) قول فيلسوف العربية ابن جني: (ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب)، ولكن القدماء رووا قول الرسول؛ ووعوا قول ابن جني، وسمعوا كثيراً من نحو ذلك، ثم ظلوا متبلدين يهابون الوضع ولا يقطعون فيه برأي. وإذا حاولنا أن نعلل هذا اليبلد وتلك الهيبة كان أول ما يخطر في الذهن تلك القداسة التي أسبغوها على اللغة العربية لصلتها الوثيقة بالدين، فهي لغة القرآن والحديث، وأداة التحدي والإعجاز، ولسان الدعوة والخلافة، فالعناية بها عناية بكلام الله، والتعصب لها تعصب للغة الرسول، ولذلك وضعوا النحو والصرف، ورسموا النقط والشكل، واستنبطوا المعاني والبيان، وقطعوا بوادي الحجاز ونجد وتهامة ليسمعوا المناطق المختلفة، ويجمعوا الألفاظ الغريبة، فأخذوا أكثر ما أخذوا عن قبائل قيس وتميم وأسد، وتحاموا الأخذ عن الأعراب الضاربين على التخوم الموبوءة، وعن العرب المتصلين بالأجانب في التجارة.

فعلوا ذلك ليدرءوا عن العربية شبهة العجمة، ويبرئوها من تهمة الدخيل، وظنوا أنهم استطاعوا ذلك فقالوا: ليس في كتاب الله من لغة العجم، يتأولون بذلك قول الله تعالى (إنا جعلناه قرآناً عربياً) وقد جهدوا جهدهم في التماس الأصول العربية لجميع الكلمات الأعجمية، فجاءوا من ذلك بما لا يتفق مع فضلهم، كقولهم في الخندريس مثلاً، وهي تعريب خندروس باليونانية: (الخندريس: الخمر القديمة، واشتقاقه من الخدرسة ولم تفسر، أو من الخدر لأن شارب الخمر ربما أصيب به، أو من الخرس لأنه في حال السكر يصير كالأخرس!

وقد حاول مثل هذه المحاولة فقيد المجمع المرحوم الأب انستاس ماري الكرملي فكتب طائفة من الفصول في مجلته (لغة العرب) بعنوان (العربية مفتاح اللغات) رد فيها كثيراً

<<  <  ج:
ص:  >  >>