أجل السيطرة عليها وتسييرها حسب إرادته ومشيئته، ولا يكون عبداً لها، خاضعاً لما تقتضيه ظواهرها، اعني بذلك أن الإنسان مكون من مادة؛ ولولا أن هذه المادة قد داخلت تركيب الإنسان لصارت في نطاق القسم الثاني، قسم الأشياء في ذواتها، ولذلك يحاول الإنسان ألا يجعل لها الأولية في تكوينه وأن يعدمها إعداماً ليخرج في النهاية بوجوده المعروف لدى البشر. وثانيهما أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يحس بالوجود؛ وبالتالي هو الكائن الوحيد الذي يدرك معنى العدم، لأن العدم على خلاف ما نظن أو يبدو لنا من أول وهلة لا يعرفه إلا الموجود الذي يشعر بأنه موجود، لم يكن هناك عدم قبل الوجود، بل الوجود هو الذي كان، فكان العدم، فنحن نعرف العدم لأننا وجدنا ولو لم نوجد لما عرفنا دلالته ولا أحسسنا بماهيته، إذا فالوجود هو الأصل في الإحساس بالعدم والاهتمام بأمره، ولا عدم إلا بالوجود، وما دام المعدوم معدوماً فلا وجود هنالك، ولا عدم أيضاً بناء على ذلك، فالمعدوم لا يلم باسم العدم ولا يدل العدم عنده على شيء، فالإنسان يوجد، وساعة يوجد ينفذ إليه العدم ويخترق الصفوف نحوه ويبزغ أمامه في عقله وفي شعوره، ومن هنا نستطيع أن نقول عن العدم أنه وليد الوجود وإنه ناشئ عن حدوث ظاهرة الحياة.
والعدم النفسي هو الذي يهمنا إذا تكلمنا عن الوجود الإنساني لأننا لا نستطيع أن نتكلم عن العدم الحقيقي ما دام لم يدخل حتى الآن في تجربة واحد من البشر. وإذا شئنا تحديد مظاهره فإننا نستطيع أن نلمسها من ثلاث نواح:
أولاً: من ناحية إعدام الماضي
ثانياً: من ناحية إعدام الممكنات
ثالثاً: من ناحية العدم الذي يفصل بين الوجود وما هو عليه وبين الوجود وما يصير إليه، ومن هذه الإعدام الثلاثة سننتهي إلى الحرية وسنجد ثغرة ندخل منها إلى مفهوم الحرية كما ترد على لسان الملحدين الوجوديين خصوصاً.
فمن الناحية الأولى نلاحظ أن وجودنا في الحاضر لا معنى له إلا من حيث ارتباطه بسلسلة من الأفعال والحركات التي سبق إتيانها في حياتنا والتي سبق إلحاقها بتاريخنا الخاص، والعمل في الحاضر إنما هو عمل من أجل إبعاد الحاضر وزحزحته عن مكانه وإسقاطه من دائرة الوجود. ولذلك نستطيع أن نحكم على كل فعل من الأفعال بأنه متوقف على انعدام ما