سبق فعله وانتهاء مرحلة من مراحل الحياة أنتهاءاً كلياً. فالحاضر متوقف على أنقضاء الماضي. ويعتمد على الفراغ الذي يحدثه استبعاد جانب من الجوانب. ولكنك مع ذلك تحكم حريتك في كل لحظة زمنية تمر بك وفي كل فترة تنقضي عليك، ولا مناص من استخدام الحرية في كل فعل من الأفعال التي تعلن انقفال الماضي وتشييع أحداثه وحاجته، فأنت في كل لحظة تريد أن ترفع الماضي من طريقك لتضع جديداً وكلما أتيت على محاولة من هذا القبيل، لإحلال الجديد محل القديم، اضطررت اضطراراً إلى استعمال الحرية. وإلا فكيف يمكنك أن تأتي فعلاً من الأفعال؟ إن الإنسان بطبيعة تكوينه مضطر أن يكون حراً كما يقول سارتر، بل أنه لا يملك الحرية في ألا يكون حراً. وإذا تمثلت الحرية المقضي على الإنسان بها أو التي حملها الإنسان في شيء من الأشياء فإنما تتمثل في الأفعال التي يأتيها والأعمال التي يندفع نحوها من أجل تحقيقها.
وترجع أهمية الماضي بالذات في تقرير فكرة الحرية هاهنا إلى أنه الأصل الذي يؤدي بدوره إلى نوع من الالتزام. فكما أن إعدام الماضي يتمثل في قضاء فترة، يتمثل كذلك في تحطيم اللوازم ورفع الضوابط وإزالة القيود. فالماضي ضروري من أجل سير الحاضر ومن أجل تهيئة الحرية بإيجاد نوع من الالتزام الذي لا توجد حرية بغيره ولا تتوفر إرادة بدونه. فالقيد أو الالتزام ضروري لإيجاد الحرية لأن الحرية ستتضح من الوقوف وجهاً لوجه بازاء هذا القيد وذاك الالتزام والعمل على رفعه ومحوه وإزالته بالثورة عليه. يقول سيمون في تعليقه على هذه النقطة من فلسفة سارتر: ينبغي أن تنبعث الحرية الصحيحة في الفعل وفي التاريخ وهي لا توجد ما دامت محتواة في المشروع الذاتي للحكم والتأمل أيضاً، إنها تفرض التزاماً إذاً، ولكن الفعل ليس حراً تماماً إلا إذا كان ثورة على قوى العالم. . فالالتزام شرط ضروري للتصرف الإنساني الحر، بيد أنه ليس شرطاً كافياً إن الشرط الكافي هو الثورة التي هي روح للحرية.
والإنسان بازاء فعل من الفعال (وهذا يتبع النقطة الثانية) يتخذ أسلوباً خاصاً به وينتحي منحى لا يشاركه فيه سواه. قد يكون هذا متماشياً مع ظروفه وتابعاً لما تقتضيه مناسباته ولكنه مع ذلك يقحم حريته إقحاماً ويدخل إرادته إدخالاً يتمثل في عملية الاختيار: ويتخلل عملية الاختيار صعوبات كثيرة تشكك في أمره وتشعرنا بضعف مركز الحرية إذا قيس