بقعة فكرية بعينها تنطمس فيها الماديات لتحل محلها المعنويات. وهي في الشعر بعد ذلك ألوان: رمزية مماثلة تقع مت الصورة الوصفية المحدودة موقع الإطار، ورمزية كلية تشمل الهيكل العام أو الموضوع العام للقصيدة. أما رمزية اللفظ فهي رمزية الشطحات التعبيرية، أما رمزية الصورة فهي رمزية الشطحات التخيلية، وكلتاهما تمثلان ذلك النقاب الكثيف الذي يلقي ظلاله المبهمه الداكنة على وجه الفن ويحيل الومضة الفكرية ظلاما تتخبط فيه الأذواق وتضطرب المقاييس في تحديد مداه. هناك لفظ يدفعك إلى أن تبذل في استجلاء مراميه كثيراً من العناء، لأنه يمتح من نبع شعوري معقد يتدفق من وجود داخلي معقد، وهناك صورة تجهد فكرك إذا حاولت أن توفق بين خطوطها المتنافرة، لأنها مرسومة بريشة الحركة اللاواعية، أو لأنها من صنع المخيلة المحلقة في آفاق ذهنية لا تعكس منها غير مظاهر الضباب! وهكذا تجد الرمزية المصنوعة حين تردها إلى شطحات التعبير والتخيل في نطاق الصور والألفاظ، ولا كذلك الرمزية المطبوعة لأنها حركة استبطان نفسي قبل كل شئ، استبطان تبدأ مرحلته لأولى بجمع المادة الأولية ظاهرة حسية في مجالها المادي وتبدأ مرحلته الثانية بفحص هذه المادة الأولية فحصاً يرجعها إلى مصادرها من النفس والحياة، وتبدأ مرحلته الثالثة بعملية المقابلة والموازنة بين الطابع الحسي للظاهرة المادية وبين الطابع النفسي للفكرة الفنية. وفي هذه المرحلة الأخيرة يتم التوافق الدقيق الكامل بين عالمي الماديات والمعنويات!
هذه الرمزية المطبوعة التي نعنيها بهذه الكلمات هي الرمزية التي يرفل فيها اللفظ في أثوابه النفسية البسيطة التي لا تختلف وكل ما يمثلها في الشعر من الموضوع: والتي تخطر فيها الصورة الوصفية في والتي تخطر فيها الصورة الوصفية في مواكبها البيانية مغمورة بأضواء الحركة الواعية التي تعمل في وضح النهار، هذه هي الرمزية التي يبقى فيها الرمز بعد ذلك مقصوراً على الفكرة العامة للقصيدة أو مقصوراً على الموضوع: عندئذ تكون الرمزية في الشعر عملا فنياً جديراً بالنظر فيه والاطمئنانإليه، وكذلك كل عمل فني يخلو من الشعوذة اللفظية والشعوذة الفكرية! بل إننا لنخطو إلى ابعد من ذلك خطوة أخرى حين نطالب بان تكون تلك الرمزية الموضوعية أشبه بالخريطة الجغرافية التي تتضح فيها مواقع المرتفعات والمنخفضات، عن طريق (الإيماء) إلى هذه وتلك بما يتعارف عليه من