من غيرهم بقبيح الفعال عند من لم يكن بينهم وبينه ثأر، فما بالك وقد تمكنوا من بلد تقطعت على أبوابه في الماضي القريب أوصالهم، وأريقت دمائهم، وزينت أسواره بالرماح المشرعة عليها رؤوس قتلاهم؟ لقد عاثوا في دمشق وما حولها من القرى، (المساجد تشرب فيها الخمور، وتهتك الستور، وتفتض البكور، ويقتل المجاورون، ويؤسر الخطباء والمؤذنون، بل على قبر خليل الرحمن، وفي حرم بيت المقدس، هتكت النسوان، وعلقت الصلبان)
هاتان الطائفتان:
والطائفتان هم أهل الدنيا من علماء الدين والمتصوفة، ما خطبهم؟! فردوا على النفاق، فواتّهم بلاغته، وعنت لهم فصاحته، لا يجاوز العلم حناجرهم، ولا التصوف ألسنتهم، طرفت الدنيا أعينهم، وبدا الترف في ملبسهم ومسكنهم ومأكلهم، واستعبدتهم الشهوات، فكانوا أنكى على الإسلام في كل عصوره من الأعداء المغيرين. ومن العجب العاجب أن الحجج والبراهين والأدلة تتدفق على أقلامهم وألسنتهم، فمنذ عهد قريب أفتوا للمسلمين بأن هولاكو أولى بالملك من الخفاء العباسيين، (لأن الملك يدوم على الكفر، ولا يدوم على الظلم) وهم الآنما كاد المقام يستقر بالتتار في دمشق حتى إذا عوا على جميع المسجد أن يدعى لقازان الكافر التتري في الجمع والأعياد بالدعاء الآتي: (مولانا السلطان الأعظم، سلطان الإسلام والمسلمين مظفر الدنيا والدين محمود قازان) فهل تعجب بعد ذلك إذا سمعت ممن خلفهم في العصر الحديث، عبد الله نابليون، ومحمد هتلر، وسيف الإسلام موسوليني! أما إمام المتصوفة الشيخ الحريري، فقد سار ابناه (الحن والبن) في ركاب التتار، يأكلون من فضلاتهم ويوطدون لهم المقام في بلادهم، ويمكنونهم من رقاب ذويهم، وما أحسن قول الجوزي أحمد شعراء ذلك العصر:
بُلينا بقوم كالكلاب أخسة ... علينا بغارات المخاوف قد شنوا
هم الجن حقاً ليس في ذاك ريبة ... ومع ذا فقد والاهمُ الحن والبنُّ
وقول الوداعي:
أتى الشام مع قازان شيخ مسلك ... على يده تاب الورى وتزهدوا
فخلوا عن الأموال والأهل جملةٌ ... فما منهمُ إلا فقير مجردُ