ما أكثر ما خدع المسلمون بالألقاب؛ فاستغلها للتمكن منهم أعداؤهم، وهاجم أولاء التتار يكافئون قبجق أحد الخونة الثلاثة بأن يولوه من قبلهم على الشام، ويتركوا معه جيوشهم بقيادة بولاي، ليفتح ما بقي بالخديعة كلما أغنت عن الحرب، استبقاء للجيوش، حتى دخل مصر قبل الكلال، وضياع الوقت في الحصار والنضال، وأخذ قبجق الخائن، يرسل إلى البلاد المنيعة طالباً التسليم، يوقع على كتبه:(سلطان الشاتم، حاج الحرمين، سيف الدين، قبجق) فيالمهازل الحجاج وسيوف الدين!
بطل مصري:
علمت جميع مدن الشام الحصينة أن لا طاقة لها بالصمود أمام التتار، بعد أن سلمت دمشق، وثبتت بها قدم التتار، ودُعي لسطانهم في المساجد، وسار في ركابه الحِن والبنّ، وأرتد الجيش المصري إلى ما رواء غزة. لهذا أذعن بلد إثر بلد، واستسلم حصن بعد حصن، وظن التتار أنه قضي الأمر، ولم يبق عليهم إلا الاتجاه إلى مصر، ليدخلوها آمنين، ولكن أيصح ذلك وما زال (أرْجَواش المنصوري المصري) في أقرب المواطن إليهم، معتصماً بقلعة دمشق، ويأبى مع البقية الباقية من المصريين التسليم؟ لقد استهانوا به أول الأمر لأن دمشق نفسها في أيديهم، ويكفي أن يقطعوا عنه الميرة والذخيرة، ليتقدم بنفسه طالباً التسليم، ولكن خاب ظنهم، ورأوه بنقض عليهم من القلعة، الفينة بعد الفينة، ليستخلص من أيديهم، ما يقيم أوده، ويعينه على قتالهم. آنئذ لجأ العدو إلى الخديعة والليان، فتوجه الثلاثة الخونة يتزعمون قبجق إلى القلعة، وهم زملاء سابقون في السلاح لأرَجواش؛ فنادوه ونصخوه بالتسليم. ولما رفض في إباء وشمم وبخوه ما شاءهم البذاء، واتهموه بخيانة المسلمين وإهدار دمائهم! وقالوا له:(دم المسلمين في عنقك إن لم تسلمها).
لا تعجب أيها القارئ الكريم، فما زال الباطل يتطاول على الحق، وتقلب السياسة الأمور، حتى يأذن الله وينكشف للناس ما كانوا عنه غافلين، ويندمون على جهلهم حين لا ينفع الندم. أتدرى بماذا أجاب أرجواش الخونة الثلاثة!