لقد قال لهم:(دم المسلمين في أعناقكم أنتم الذين خرجتم على بلادكم، وتوجهتم إلى قازان، وحسنتم له المجيء إلى دمشق وغيرها من بلاد الإسلام) وسكت عند ذلك، وكان يستطيع أن يوسعهم سباً، ولكن من يحسن العمل داماً لا يُحسن القول، وأبطال النضال يغنيهم الحسام عن الكلام، وقديماً قال قائد عربي لم يُفتح عليه بكلام حين وقف للخطبة:
إذأ لم أكن فيكم خطيباً فإنني ... بسيفي إذا جد الوغى لخطيب
وقال الرشيد ملك العرب لنقفوز ملك الروم رداً على تهديده:
(الجواب ما ترى لا ما تسمع).
في قلعة دمشق:
تهيأ أرجوش للحصار والقتال وأجمع أمره على الموت دون التسليم، وشد
أزره من معه من أبناء مصر وأبطال النيل، وصح عزم الجميع على ألا يدخل القلعة تتري وفيهم عرق ينبض، وتوالت وثباتهم من القلعة على دمشق لأخذ ما يحتاجون. . .
ومن تكن الأسد الضواري جدوده ... يكن ليله صبحا ومطعمه غصبا
وترادفت رسل قازان إلى أرجواش بالوعد مرة وبالوعيد والتهديد مرة أخرى، وطال الأخذ والرد، وخطباء المساجد عون على المنابر لسطان الإسلام والمسلمين قازان، وكل شيء حول أرجواش يدعو إلى التسليم، ولكنه هو ومن معه لا يزدادون إلا عزماً وتصميماً وثباتاً ويقيناً.
أغنى عن أمة:
نسى التتار أمر الهجوم على مصر، واستحوذ الخوف عليهم من قلعة دمشق. إنها شوكة في جبينهم وهلاك مشرق عليهم، ولا مقلم لهم في نفسها ما لم يقتحموها على من فيها، وقد يئسوا من جدوى السياسة والخداع، وبات لا يطرف عينهم نعاس، ولا يغشى جفونهم الكرى، ولا يذوقون النوم إلا غراراً، خوفا من هجمات من بالقلعة، وكانت تزداد وتشتد، كلما أمل التتار الإذعان والتسليم، فجاءوا جميعاً وأطبقوا على القلعة من جهاتها الأربع، وهجموا عليها هجمة رجل واحد بخيلهم ورجلهم. ولا يحسن أحد كالتتار مثل هذا الهجوم الخاطف. رمت المجانيق بأحجارها، وهجمت الخيول بفرسانها، وأسرعت المشاة بعجلاتها