للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

على أن المصريين قد اختلفوا في الحكم على كرومر. فمن نظر إلى نمو الموارد المالية على يديه وتقدم حركة العمران مدحه وأثنى عليه. ومن نظر إلى الأحوال السياسية وتخلف الشعب المصري عن غيره من الشعوب الناهضة في ميدان السياسة والعلم، وتمتع الأجانب بجل خيرات مصر، وانتشار الشركات الأوربية في طول البلاد وعرضها، وإمعانها في النهب والسلب من نظر إلى هذه الأحوال قدحه ونهى عليه. وفي ذلك يقول حافظ:

تشعبت الآراء فيك فقائل ... أفاد الغنى أهل البلاد وأسعدا

وكانت له في المصلحين سياسة ... ترخص فيها تارة وتشددا

يناديك قد أزريت بالعلم والحجا ... ولم تبق للتعليم يالورد معهدا

وأنك أحصبت البلاد تعمدا ... وأجدبت في مصر العقول تعمدا

قضيت على أم اللغات وإنه ... قضاء علينا أو سبيل إلى الردى

ووافيت والقطران في ظل راية ... فما زلت بالسودان حتى تمردا

فطاح كما طاحت (مصوع) بعده ... وضاعت مساعينا بأطماعكم سدى

ففي هذه القصيدة نتبين رأي حافظ في كرومر، ثم رأى المناصرين لسياسة هذا العميد، ثم رأى الناقمين على هذه السياسة وهم من الحزب الوطني. والملاحظ هنا أن قصيدة حافظ في وداع كرومر كانت هادئة. والسر في ذلك أن حافظا كان تلميذا لمحمد عبده الذي كان صديقاً حميماً لكرومر يستنجد به ضد الخديوي عباس. أما قصيدة شوقي فقد بلغت الغاية في العنف. ذلك لأن شوقي كان شاعر الخديوي الذي كانت بينه وبين كرومر عداوة شديدة. وللكاشف قصيدة لا تقل روعة وعنفا عن قصيدة شوقي وطلعها:

أعيى عزائمك القضاء الأغلب ... وطوى صحيفتك الزمان القلب

ومنها:

أنسيت محنة مصر في سودانها ... أيام هام الجيش فيه يعذب

أهملته حتى إذا فتكوا به ... أمسى فؤادك جمرة تلتهب

ومنها. وفيه إشارة إلى إتقافية الحكم الثنائي في السودان بين مصر وبريطانيا:

غافلتهم حينا فلم يتلفتوا ... إلا ونابك فيهم والمخلب

لولا خضوع وزارة هيابة ... لم يستقم لك في السياسة مضرب

<<  <  ج:
ص:  >  >>