وكان بيبي يرتعش على كتفه في تعاطف. ومع أن الشجرة المقلدة لم تكن تهمه في شيء إلا أن طول الصحبة هيأ له السبيل النفاذ إلى قلب سيده، فأحس الآن بشيء غريب وحزين في أعماقه؛ لذلك تعلق بالكتف العريض وأخذ يرتعش، وأحس بحنين إلى مسقط رأسه دون أن يدرك السبب.
(هلا تفضلت وأتيت من هنا؟) كان الصوت المتكلم متقدماً في السن حاراً، وكانت صاحبته متقدمة في السن ذات حرارة أيضاً. ورمقتها بعطف وقالت ثانية (من هنا. . . هنا تماماً. . .)
وهز بيترسون نفسه وتبعها مجتازاً البهو ودخل من باب مفتوح. وكان في الغرفة التي دخلاها صبي أبيض الوجه مستلق على سرير في فتور. وأنزل بيترسون المعزف عن ظهره، وبدأ يدير الذراع. وتدفق النغم منه في قوة غير منتظرة بينما ترددت على حوائط المنزل أصداء وأصداء.
كانت نفس الموسيقى، الفالس القديم الذي تردد مراراً وتكراراً. بيد أنه كان هناك اختلاف. وكان يبدو للصعلوك أن المعزف فقد إيقاعه الميكانيكي المألوف وأنه لبى نداء عاطفته، كأنه آلة صنعت ليده بجرأة. . . فشجرة عيد الميلاد تلك بثلجها الصناعي المقلد، وهذا المنزل الفسيح المضيء، والقوم المسنون الطيبون، والغلام الصغير، جميعهم، أدركتهم الموسيقى، وكانت هنالك أيضاً، الصور التي في قلبه: الغابات الشمالية والوجوه واللغة التي كاد ينسى كيف يتكلمها.
وبينما كان يلعب كان بيبي يقفز في سعادة، وجلس الغلام المريض في سريره يصفق بيديه الضعيفتين، وأخيراً انتهى الدور، وسكت المعزف.
وكان بيترسون يهم برفعه إلى كتفه عندما وجد نفسه للمرة الثانية ذلك المساء في غيبوبة من العاطفة، قد هاجمته وأمسكت به، وقد توقف ذراعه في حركة صعوده، وعيناه محملقتان، فمن فوق رأس الشيخ كانت عينان في زرقة البحيرات الشمالية ترنوان إليه، عينان ساكنتان هادئتان، مليئتان بحنان لا يحتمل. وتقدمت امرأة طوال ذات حسن وجمال وهي تبتسم، وربتت على رأس بيبي. وقالت إن الموسيقى كانت لطيفة جداً، أفلا يمكنهم البقاء واللعب أمام ضيوفها قبيل منتصف الليل؟ ويمكنهم في نفس الوقت أن يستريحوا