ليست هذه الأبيات الثمانون هي مجموع القصيدة لأنها تربى على المائتين، ولكنها قطوف متفرقة تؤلف بينها وحدة الجو النفسي بعد وحدة العمل الفني، والتقاء الوحدتين في مستودع الفكر أو في ساحة الشعور.
وكما تناولنا في الصور النفسّّية الماضية عناصر الأداة النفسي في الشعر، مطبقين هذه العناصر تطبيقاً فنياً وتوزيعياً على تلك الصور، تبعً لوضوح الصلة النفسية بين كل عنصر وكل صورة، فإننا نسلك نفس الطريق وتتبع نفس المنهج في تناولنا لهذه القصيدة الجديدة (الله والشاعر). . . وسنتحدث فيها عن هذا العنصر الفني الجديد من عناصر الأداة الذي ندعو إليه، وتعني به عنصر (الواقعية النفسية)!
ومرة أخرى سنعرض لمظهرين من مظاهر الواقعية في الشعر هما واقعية الأداء اللفظي وواقعية الأداء النفسي. . . وسواء أكانت الواقعية في منطق الدراسة المذهبية خروجاً من دائرة الرومانسية وهي دائرة الخيال والأحلام والانطواء على النفس والتهجد في محراب الطبيعة إلى دائرة الوقائع الحية والأحاسيس المجردة والأفكار الخالدة والحقائق الباقية؛ أم كانت في منطق الدراسة الفنية ألواناً مختلفة تتوزعها بضع خانات تشير أحدهما إلى واقعية في حدود مجتمع إنساني خاص، وتشير الأخرى إلى واقعية في حدود الأزلي الكبير؛ سواء أكانت هذه أم تلك فإن مرجعها آخر الأمر إلى هذين المظهرين الرئيسيين، ونعني بهما الواقعية اللفظية الواقعية النفسية!
ومرة أخرى نرفض هذه الواقعية اللفظية كما نرفض كل سمة من سمات الأداء اللفظي في الشعر؛ نرفضها لأننا إذا سلمنا بصب التجربة الفكرية في قوالب نثرية في كل فن من فنون القول، فإننا لا نعلم أبداً بصب تلك التجربة في مثل هذه القوالب في فن الشعر. . . وإذا كانت التجربة الفكرية هي عماد الواقعية الاجتماعية أو عماد الواقعية الوجودية، فإنها في كل ميدان من ميادين القول المرسل تستطيع أن نتبع من أغوار الذهن وحده، حيث تبدو الفكرة عارية من كل غلالة من الغلائل تنسج خيوطها من أعماق الهزة الوجدانية، ولكنها في الشعر لا تستطيع أن تقف وحدها غير مدثرة بتلك الغلائل التي تكشف عن تفاعل الأصداء الكونية داخل منطقة الشعور، أعني لابد من أن تمتزج التجربة الفكرية بالتجربة الشعورية ذلك الامتزاج الذي تتعادل فيه النسب الفنية هنا وهناك. . . عندئذ لا يجوز