للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لا تعدني يا رب في محنتي ... ما أنا إلا آدمي شقي

طردتني بالأمس من جنتي ... فاغفر لهذا الغاضب المحنق!

ويمضي الشاعر بعد ذلك في دفاعه بعد أن طلب المغفرة، مقدماً دليله الأول على أن هذا التمرد الروحي لا دخل للطبيعة الإنسانية في إثارته، ولكنه من وحي الدم الفائر في مرجل النفس منذ الأزل حيث قدر لها أن تكون:

تمردت روحي على هيكلي ... وهيكل الجسم كما تعلم

ذاك الضعيف الرأي لم يفعل ... إلا بما يوحي إليه الدم!

ثم ينتقل من مرحلة الدفاع المهذب إلى مرحلة الاتهام المهذب الذي يتوارى خلف ركام الضعف أو خلف مظاهر الخضوع:

ما هو إلا كومة من هباء ... تمحقه اللمسة من غضبتك

فكيف يثني الروح عما تشاء ... وكيف يقوى؟ وهي من قدرتك!

وعند ما يفرغ من هذا الاتهام المحجب يعمد إلى الاتهام السافر الذي يخفف من حدته وضع الاعتراض موضع السؤال، وكأنه لا ينشد العتاب وإنما ينشد الجواب.

لكنما روحك من جوهر ... صاف وروحي ما صفت جوهراً

أولا؟ فما للخير لم يثمر ... فيها؟ وما للشر قد أثمرا!!

ومرة أخرى يود أن يبرئ نفسه من كل ذنب، وأن يدرأ عنها كل خطيئة، ولا ضير من هذا المنطق الذي يرد ظواهر الإغراء إلى مصادرها من نفس الإنسان الأول الذي خلف لأبنائه هذا الميراث الخالد على مدار القرون:

ولم أكن أول مغرى بما ... أغرت به حواء أو آدما

إرث تمشي في دمي منهما ... ميراثه ينتظم العالما!!

وحين يقص عليك قصة الثعبان الذي يكمن للطير بين أكداس الزهر ليطمس معالم الحياة بألوان من السم الزعاف، فلكي يطرق أبواب المعنى الكبير لمشكلة الوجود والعدم أو مشكلة البقاء والفناء:

إن كنت لم تبصر ولم تسمع ... فقف إلى ميدانها الأعظم

ما بين ميلادك والمصرع ... ما بين نابي ذلك الأرقم!!

<<  <  ج:
ص:  >  >>