نراه مشوقاً إلى الكتابة التي لا تتقيد بالأشياء المضغوطة ولا يلتفت إلى المظاهر العامة وإنما ينتهز الفرصة كيما يستبيح لنفسه أن يقول ما يشاء وأن يأتي بالمعنى الذي يحشو به الألفاظ حسب هواه. وبناء على ما تقدم نراه ساعياً في الطريق إلى استقصاء التجربة القلبية حيث يمضي ولا قيد، ويسعى ولا رقيب، ثم يحكي ولا ضابط.
ومن ناحية أخرى يريد الشاعر - تبعاً لما لا حظناه عليه من طبيعة المغالاة - أن يسكب على وجوده معنى الألم وأن يكتشف في حياته طابع الاستشهاد وأن يقحم على كيانه بعض ما يشعره بالهم والمعاناة التي هي أصل في كل خلق فني والتي يصعب على الإنسان أن يحقق فكرة المرور بالتجربة من غيرها. فالدوحة عند الفنان نوع من الحث على العمل، وباعث إلى النشاط كما يبعث الجوع واحداً من الفقراء على القيام بالأشغال في مقابل الرزق الحلال. وإذا خلت حية الفنان من الأحداث المروعة فهو ملزم بأن يفتش بنفسه عن الارتياع حتى لا يجد مجالاً لإبراز مواهبه. وهذا يشبه تماماً سعي الأجير من أجل الحصول على العمل الذي يفتح أمام قواه سبيلا للأداء وطريقا للنفاذ. فالشاعر بطبيعة موقفه مضطر إلى أن يتطفل على حياة الآخرين حتى يجد وقوداً لفنه وحتى يجد مادة لشعره. وإذا صادف من يهيئ له أن يكون هو نفسه طرفاً في القضية وأن يشترك في التجربة مشاركة ذاتية أصيلة فأغلب الظن أنه لا يتردد، إن لم يندفع الدفاع الأهوج الطائش، في أداء دوره اللازم.
ولعلنا نذكر بهذه المناسبة ما جاء في قصيدة بودلير التي يسميها (ضميمة) من أبيات تصور هذه الحقيقة وترينا خطورة الصلة بين الألم والشاعر. فهو يقول: