كانت للإنجليز الكلمة العليا في كل صغيرة وكبيرة وكان الموظفون البريطانيون متمتعين بسلطان مطلق في كل مرافق البلاد ومصالحها. وقد عانى المصريون من ذلك ألما عظيما. وظهر أثر هذا في الشعر على نحو ما بينا. وكان اليأس مخيماً على الرءوس، والأمل في الخلاص من نير الاحتلال يكاد يكون مفقوداً، وقد غبر الشعراء عن هذا اليأس والقنوط في شعر كثير. فلما قامت الثورة قويت الآمال في التخلص من نير المستعمر وأخذ الشعراء يغذون الثورة بشعر حماسي رائع.
وقد ترتب على هذه الثورة أن ظفرت البلاد بقسط وافر من الحرية وتخلصت من نفوذ الموظفين البريطانيين. ثم تمتعت بعد ذلك بدستور ومجلس نيابي. فتغنى الشعراء بهذا النصر العظيم.
وبينما كان المصريون يجاهدون في سبيل الحرية كانت الشعوب الشرقية تجاهد كذلك. وكان جهاد الترك أروع جهاد. وقد أحدث انتصارهم بقيادة مصطفى كمال رنة فرح وسرور في مصر. ونهض الشعراء ونظموا القصائد الكثيرة في مدح أبطال تركيا وإطرائهم والتنويه بانتصاراتهم.
ثم حدث أن ألغيت الخلافة العثمانية وحلت محلها حكومة جمهورية. ومع أن الخلافة العثمانية أضحت عديمة الجدوى للشعوب الإسلامية منذ زمن بعيد، رأينا في مصر شعراء كثيرين يبكون بكاء مراً لزوال هذه الخلافة، وينددون بمصطفى كمال وأعوانه ويرمونهم بالكفر والإلحاد.
وبإلغاء الخلافة انقطعت كل رابطة بين مصر وتركيا وانقضى العهد الذي كان فيه الشعراء ينظمون القصائد الطوال في مدح سلاطين آل عثمان أو في تحية الأسطول العثماني أو الجيش التركي، أو غير ذلك مما رأيناه عند الشعراء إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى. وأصبح الشاعر المصري يعيش لمصر وحدها بعد أن كان مقسم العواطف بين مصر وتركيا. وبانسلاخ تركيا عن الشرق اختفى ذكرها من الشعر العربي اختفاء تاماً.
على أن هناك روابط جديدة نشأت بين مصر والدول العربية التي قامت على إنقاذ الإمبراطورية العثمانية. وكانت هذه الروابط في أول الأمر ضعيفة. ثم أخذت الشعوب العربية تتطلع إلى مصر، وأخذ المصريون يمدون أيديهم إلى هذه الشعوب. وكان لتقدم