للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الخفاق. إلا ترى في ذلك جمال أولاً جلالاً؟؟ وأي جمال وأية فتنة في هذه الجبال الجرداء الشامخة تقوم إلى جانبها هذه التلال الوطيئة في هذا الحقل من شجر الأرز، والسنديان يكلل رؤوسها، وكأن كل ربوة من رباها دوحة جبارة واحدة أغصانها جذوع هذه الأشجار وأوراقها أغصانها!! ثم هذه الغيوم ومنها الذي أسف إلى قعر الوادي وأختلط بأهله اختلاط الألفة، وجاورهم جواراً زالت معه الكلفة؛ ومنها الذي أبى إلا تصعيداً ومنافسة لأعلى هذه الجبال فيختم على رأسه إكليلاً من ذهب صباح مساء، ومن فضة فيما بين ذلك؛ ومنها الذي أبى إمعاناً في التحليق والتصعيد فوق ذلك، فجعلت من التيارات القوية ما يجعله النسر من ريش الطائر، وقد شد النسر عليه مخالبه وألهبه سعار الجوع؟ ثم هذا البحر المسجى من ورائنا، جاث عند ركبتي لبنان يبللها بزبده ويغسلها بموجه، ويهمس في إذنه أن خل مكانك، وتعال أبوئك الصدر بدل أن تكتفي مني بالزبد، والزبد دائماً يذهب جفاء. وقديمًا أغراء همس البحر السحري فتحرك وتناول خير ما أنبت، وبعث به جواري من الارزملء ضلوعها رجولة وقلوب كبيرة. . . أو نسيت الباروك وماءه القر النمير؟ أنسيت ينأبيع لبنان المثلجة وكيف كنا نتجرع ماءها قطرة قطرة لما كانت تفعل الجرع الكبيرة المتوالية في الأسنان؟ ثم هل نسيت البارحة وكيف أمطرتنا السماء وابلاً أتضطرنا أن نتعطف المعاطف كأننا من العام في شهر آذار؟ أمثل هذا يجتمع ويتيسر لغير لبنان من بقاع الدنيا؟ أوه! وماذا أقول في هذه المدن المنثورة المنورة، وقد ألهبتها في الليل مشاعل الكهرباء، فغدت نجوماً تومض على الأرض، وتتحدى السماء فتحار أيهما أجمل وأروع: تلك التي تحتك، أم هذه التي فوقك؟ وهذه البيوت المبثوثة هنا وهناك، لا هي بالقرى المتراصة ولا هي بالصوامع، المنعزلة، ترف عليها وحولها أغصان السنديان والصنوبر رفيفاً كأن يداً سحرية ترّوح عليها؛ وأخيراً هذه الحمائم البيضاء في عرض البحر تمد أجنحتها للريح تتلقى منه المدد، فتسير باسم الله مجراها ومرساها؟ أنسيت كل هذا لتسألني ماذا في لبنان من جمال وماذا أرى من فتنة؟ إلا يفتنك بالله هذا التعانق الشديد بين السماء والماء والغبراء، وهذه الألفة الفاتنة بين هذه العناصر حتى لكان هذا ما خلق إلا ليكمل ذاك، ولا ذاك إلا ليكمل هذا؟؟!

وبعد أن غمرت فتاتنا فتاها بهذا السيل الجارف من الأسئلة صمتت ترقب وتتأمل. وفتح

<<  <  ج:
ص:  >  >>