صاحبنا فاه. . أو تدري بماذا أجاب عن كل ذلك؟ قد تحسبه أضاف لوناً آخر إلى هذه اللوحة التي رسمها خيال فتاتنا بهذه السرعة الطائرة؟ لا! إن شيئاً من لم يحدث، إذ لم يزد صاحبنا أن قال:
هذه الجبال قد رأيت مثلها وأعلى منها في البرازيل. والأشجار - كذلك - في البرازيل لفةّ منداحة تكاد لا تدع لأحد منفذاً. والبحر رأيت أضعافاً سعته في طريق إلى أمريكا. والمطر كثيراً أيضاً في تلك البلاد. والباروك يعد (حنفية) ماء بالنسبة إلى الأمزون.
عندما كدت أنشق غيظاً، وهممت والله أن أتناول شيئاً واطرحه في وجه هذا الجلف الغليظ القلب، الذي لا يرى إلا أن يقيس الجمال بالأميال، ويكيله بالمكيال. وحاولت الفتاة محاولات يائسة أن تنبه من هذا الصخر مكامن الإحساس بالجمال، فكانت - كما يقولون - كالصاروخ في واد، وكالنافخ في رماد.
وأدركت أخيراً من الفتاة ومن فتاها: هي شعلة من الذكاء والثقافة العالية، والإحساس العميق بالحياة، والتفطن إلى همس الجمال بله صوته. أما هذا الذي يجالسها فهو من هؤلاء الذين ذهبوا إلى أمريكا ورجعوا خلواً من كل شيء، إلا المال، فتقدموا بهذا الطعم المغري، فاصطادوا خير الفتيات جمالا ًوعلماً وذكاءً.
وصاحبنا هذا - مع الأسف الشديد - ليس بالمثال النادر في الشرق ولا الشاذ، وإلا ما كنا نعني به ونغثى على القارئ الكريم بعرض صورته البغيضة، إنما هو يمثل لنا طغمة من الناس في شرقنا كثيرة كثرة مفزعة حقا، لا تتفتح نفوسهم على جمال ولا تنبسط لفتنة ولا تنشط لمتعة من متع الفن. يعيش الواحد من هؤلاء في بقعة ركم الجمال فيها ركماً، ولكنه يحيا - آن صح انه يحيا - ويموت، وكان هذا الجمال لا يعنيه بحال من الأحوال، وكأن هذه المفاتن لأناس من غير طينته، وفي عالم غير عالمه، وقد يصيب بعضهم من ينبه فيهم مراكز الجمال، والتفطن إلى مواطن الملاحة فتتبدل النفوس غير النفوس وتنقلب حياتهم انقلاباً شديداً، وتتفسح أمامهم متع الحياة إنفساحاً يمتد مداه على قدر ما تكشف لهم من مفاتن الطبيعة ومجالي الجمال، إلا أن السواد الأعظم منهم يظلون على جهودهم ونضوب أنفسهم مهما حاولت أن تثير فيهم مكامن الإحساس بالجمال، وتذوق الفن. وإذا رايتهم يستملحون أو يستظرفون فإنما يفعلونها من طرف لسان ومجاراة، خشية أن يرموا بتبلد الإحساس وعقم