ولعل هذا التعقيب منها أشبه بتوكيد الصورة الأولى التي رسمتها في البيت الأول، حين شبهت الحركات الراقصة بعناق الآلهة! وإذا رحت تحصي النقلات الحسية والنفسية موزعة على عمل الملكتين - على هذا النحو الذي قدمناه إليك - فستجد عنصري التتابع الزمني والفني - كما سبق أن قلنا - هما العاملان الرئيسيان في توجيه الحركات المادية والوجدانية، وفي مزجها ذلك المزج الذي تحس معه وحدة المشهد الحسية والنفسية، كلا لا يتجزأ في مقياس الفن ومقياس الشعور. . . ومن مظاهر هذا المزج أن تدور الصور مسرعة متلاحقة حول تلك الحركات، وإذا أنت أمام هذه الوحدة متجمعة في هذه الأبيات:
دعاها الهوى عنده للمثول ... وما الفن إلا هوى وامتثال!
فخفت له شبه مسحورة ... علت وجهها مسحة من خيال
وفي روحها نشوة حلوة ... كمهجورة منيت بالوصال
أرأيت إلى هذه القوة الإشعاعية المستوحاة من أعماق الذات الشاعرة في البيت الأول، عندما يبلغ العناق حد الهوى الداعي إلى المثول؟. . . وما أروعها من طرقة نفسية تلك التي تجمع الخطوط المتناثرة في لوحة واحدة تمحل هذا المعنى الكبير:(وما الفن إلا هوى وامتثال)!! ومرة أخرى تمضي الملكتان في المراقبة والتسجيل، وكأنهما في حوار تتبادلان فيه الصور والكلمات.!
تقول الأولى:
تضم الوشاح وتقلي ... به وفي خطوها عزة واختيال
وتقول الثانية في معرض المقابلة النفسية والتمثيلية:
كفارسة حضنت سيفها ... وألقت به بعد طوب النضال
وتجيبها الأولى من جديد مشيرة إلى حركة اليدين:
تمد يديها وتثنيهما ... وترتد في عوج واعتدال
وتعقب الثانية مرة أخرى على طريقتها التشبيهية:
كحورية النبع تطوي الرشاء ... وتجذب ممتلئات السجال
وهكذا تحملك لغة الحوار بين ملكتي المراقبة الحسية والنفسية من جو إلى جو، ومن أفق إلى أفق، ومن ميدان إلى ميدان. . .