للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الماضي وكنت في الدرجة الثانية والعربة مزدحمة فاستحال علي النوم. وناديت فراش القطار وأعطيته نصف روبل فحمل متاعي وأخذني إلى عربة النوم. واستلقيت وتغطيت بملاءة، وكان الظلام كثيفاً، وفجاءة شعرت بشخص يمس كتفي ويتنفس في وجهي وأخرجت ذراعي وتحسست ذراعا، وفتحت عيني فلم أكد أصدق فقد كانت سيدة بعينين سوداوين وشفتين قرمزيتين وأنف يتنفس بالجنان وصدر ناهد. . . وهنا قاطعه مرسليا كوف رأيت لون شفتيها وعينيها في الظلام؟! فأخذ لوبتكو يسخر من افتقار مرسليا كوف إلى الخيال، وتضايق ريابوفتس وتركهما واستلقى على فراشه وعاهد نفسه ألا يكون فضفاضاً بعد الآن.

وابتدأت حياة المعسكر، وتتابعت الأيام متماثلة وكاريابوفتش يفكر ويشعر ويتصرف كرجل يحب، وحين يتحدث زملاؤه عن الحب والنساء كان يقترب ويستمع ويأخذ وجهه هيئة الجندي الذي يسمع قصة معركة خاض غمارها. وفي المساء إذا ما انتابه الأرق، وفي ساعات الفراغ كان يستعيد منظر قرية مستشكو والمنزل العجيب درابك وزوجته التي تشبه الإمبراطورة أوجيني والحجرة المظلة وما جرى فيها.

وفي الواحد والثلاثين من أغسطس صدرت الأوامر لفرقتين فقط بالعودة، وكان من العائدين وفي الطريق كان مهتاجاً كأنه عائد إلى مسقط رأسه، ومرة أخرى اشتاق إلى منزل رابك، وكان صوت داخلي (كثيراً ما يخدع المحبين) يؤكد له أنه سيلقاها وبدأ يعجب كيف يحييها وماذا يقول لها، هل نسيت كل شيء عن القبلة، ولو حدث أسوأ ما يتوقع ولم يرها فإنه على الأقل سيمر بالغرفة المظلمة ويتذكر.

وعند الغروب بدت الكنيسة المعهودة في الأفق، ودق قلب ريابوفتش بسرعة، ولم يعد يسمع حديث الضابط الراكب بجانبه، وبشوق عظيم نظر إلى النهر يتدفق، وإلى سطح المنزل ثم وصلوا إلى الكنيسة، ونزلوا بالساحة وسمع أوامر القيادة وهو يتوقع من لحظة لأخرى أن يرى الفارس قادماً ليدعوهم إلى بيت الجنرال، ولكن مضى الوقت ولم يأت الفارس. . . سيعلم رابك بعد قليل من الفلاحين بوصولنا وحينئذ يرسل ألينا. هكذا قال لنفسه، وشعر بالأسى واستقلي على سريره ثم قام ونظر من النافذة ليرى الفارس في طريقه ولكنه لم ير شيئاً ثم لم يستطع كبح جماح قلقه فمضى في الطريق متجهاً نحو الكنيسة ثم إلى منزل

<<  <  ج:
ص:  >  >>