العلمية في مستهل هذا القرن، وهذا من شأنه أن يفسر لنا سيطرة الروح الرياضية على أعماله ويبين لنا تأثير دراساته الفلسفية التي جاز فيا درجة الدكتوراه. ألا ليت العلماء عندنا فطنون إلى قيمة الفلسفة في دراسات العلم.
ومنذ حوالي الثلاثين عاماً لم يعد هناك من يشك في الطبيعة الموجبة الخالصة للضوء وللإشعاعات الأخرى؛ بيد أن العلماء - منذ ذلك الوقت أيضاً - قد اكتشفوا بعض الظاهرات التي تنشأ عادة من المواد الاشعاعية، ولم يمكن تفسيرها حتى ذلك الوقت إلا على وجه واحد وهو ذلك الذي يعمل بوحي من الفهم الجسيمي للمادة وكان أهم هذه الظاهرات هو الأثر الذي ينشأ عن كل من الضوء والكهرباء. وهو عبارة عما تراه في المادة عندما تضيئها، إذ بمجرد أن تضئ قطعة من المادة - ولتكن معدناً - ينبعث منها في حركة سريعة كثير من الكهيربات. وأدت دراسة العلماء لهذه الظاهرة إلى نتيجة هامة، وهي أن سرعة الكهيربات (إلكترونات) المنبعثة لا تعتمد إلا على طول الموجه في الإشعاع الحاصل وعلى طبيعة الجسم المشع، وفي الوقت نفسه تبين لهم أنها لا تعتمد إطلاقاً على حدة أو سدة الإشعاع الحاصل وأن عدد الكهيربات (الإلكترونات) المنبعثة هو وحده الذي يعتمد على حدة أو شدة الإشعاع. بل أكثر من ذلك، ظهر أن طاقة الكهيربات المنبعثة تختلف اختلافاً عكسياً مع الطول التموجي للموجة الحاصلة. وعندما تأمل أيشتين في هذه الحقيقة، تبدى له أن لا مندوحة عن العودة إلى القول ببناء جسيمي للإشعاع في حدود معينة إذا شئنا تفسيرها. وصرح بأن الإشعاعات إنما تتكون من الجسيمات التي تصدر كمية من الطاقة النسبة العكسية مع طول الموجة، واستطاع عقب ذلك أن يبين لنا في وضوح وجلاء أن قوانين الأثر الناتج عن الضوء والكهرباء إنما يمكن استخلاصها واستقراؤها من ذلك الافتراض.
وعلى ذلك فلم يكن أمام علماء الطبيعة إلا يحسوا بصعوبة الأمر وأن يشعروا بالربكة والحيرة بين هذه المظاهر المختلفة فهناك من جهة، مجموعة الظاهرات التي تتم عن تشابك الحركات الناجمة عن الذبذبة وعن تكسر الأشعة الموزعة، وهذا من شأنه أن يثبت أن الضوء مكون من موجات أو يدل على أن الضوء لا ينبعث من الجسم المسير على صورة أشعة مستقيمة بل على هيئة تموجية بحته؛ ومن ناحية أخرى، هناك ظاهرة الأثر الحاصل