للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكنت أرتاح إلى ابتسامتها العذبة، وخفتها المرحة، ولهجتها العذبة. وماذا تطلب من فتاة في الرابعة عشرة لا تحس بالحياة غير هذا الإحساس. ولا تحتفل بالدنيا بغير هذا الاحتفال؟

ورجعت مرة إلى بيتي وفوق كتفي تهبط الهموم! فرأيتها جالسة وحدها وهي صامتة فحييتها تحية مدرسية. فوقفت بقوامها الرشيق، والابتسامة تشرق من شفتيها. . وعينيها تضحكان!

فرأيتني أتطلع إليها! فقد لاحت لي زهرة غضه. أو عالماً صغيراً مليئاً بالأحلام تلك العوالم التي ضللت في مساربها طوال حياتي وعبق من أغوار ذلك العالم عطر مسكن. ورحت أتأملها كما أتأمل لغزاً جميلاً!

وعندما خلوت إلى نفسي كان عطر ذلك العالم الصغير لا يزال يعبق في أنفي!

وغمرني فيض من الأفكار وأنا في فراشي. ودخلت في متمدح أحلامي أتجعل!. ووقفت أمام مخيلتي هي. بقوامها الرشيق. وابتسامتها. وعيناها تضحكان! ورحت أتطلع إلى خيالها كما يتطلع الإنسان إلى تمثال يشرق منه النور! واتجهت بكل تفكيري وإحساسي إليها، فبدت لي حلوة عذبة كزهرة غارقة بشذاها فأشفقت إليها. لأول مرة. وأحستت بقوة تدفعني إليها دفعاً.

ولم أنم ليلتي!. ويح قلبي ماذا جرى له؟ ويح فكري ماذا يحمل من أفكار قاتمة؟ يا ويح نفسي إلى أية جهة تساق؟

وفي الصباح كنت أحس بجوع صارخ لها. وطلعت على كما يطلع النجم في ليل الساري. ونظرت إليها من تحت جفنين أثقلهما التعب، وأرثها التفكير الطويل، والسهر، والأوهام. فلاحت لي حورية!

ومن ذلك اليوم تبدل كل شيء!

رحماك لا تهزأ بي، فأنا رجل شقي. أنا أطلال من حياة إنسانية! لقد عشت في جو كئيب غامض ليس له عطر. لقد حملت نفسي فوق طاقتها وبنيت على أساسها الرملي قصور فلسفتي ومعابدها، وأطلقت في جنباتها بخوراً من وجداني. ولكن اليوم أرقب معابد فلسفتي تنهار، وبخور وجداني يتحول إلى رائحة سامة. لقد كنت دائماً أهرب من عملاق مارد إلى هياكل فلسفتي وآرائي الشاذة. فقد كنت أخاف هذا العملاق أشد الخوف أتعرف ما هو؟ إنه

<<  <  ج:
ص:  >  >>