الحرمان. الجلاد الذي كان يسومني سوء العذاب إن حياتي لو كتبها قصاص لكان عنوانها الحرمان. الحرمان من كل شيء. فهذا الشيطان المريد يطالعني أني توجهت، ويرسم لي خطة قاسية في الحياة!
فإذا وقفت على أعتاب عالم جميل، وهربت من جلادي فأشفق علي، وأرأف بقلبي العمود! وإذا لاحت إيماضة في ليل وحدتي، أو خفقت نسمة ندية في صحراء جوعي العاطفي، فأرجوك ألا تسخر مني. . أنا الظمآن الذي كاد يقتله الظمأ!
أوه يا صديقي. . أنا على أعتاب العالم الجميل؟ أرتجف!. . وتتملكني هزات عنيفة فأنا خائف أتوجس، خجل أتردد!
هذه حالتي. . أما هي فقد تسألني عنها. . هل تحس بما في نظراتي من لهفة، وبما تنم عليه قسمات وجهي من شغف، وبما يخالج في صوتي من أصداء لعاطفتي الحبيسة؟ فأجيبك بأنني لا أدري. . فقد كانت الطفولة تسبغ عليها ظلالاً جميلة، وتخلق أمام عينيها أودية خضراء، وتفتح لها أبواباً من الانطلاق والسرور والاندفاع؛ فهي مبتهجة دائماً، باسمة أبداً، دنيا من السحر والفتنة في كل الأحايين. أما أنا. المخلوق التعس فإنني أتلمس خطابي إلى ينبوع عينيها، وتوخسني الأشواك وحدي!
ومرة رجعت إلى بيتي متعباً، فالحياة دائماً تحاربني كأنني لست من أبنائها فراحت معانيها تساقط من عيني، وأحس في أعصابي جفاء صحرائها!
وعندما دلفت إلى بيتي. رأيتها واقفة، والابتسامة تترقرق في محياها.
يا الله. . أهذه طفلة بنت الرابعة عشرة؟
لقد بدت في عيني شيئاً آخر أكبر من طفلة. كانت ترتدي فستاناً أزرق كلون السماء الصافية، وقد شدت على خصرها النحيل نطاقاً أبيض كلون الثلج. أما محياها فقد أذهلني. . ما هذا؟ لم أعهدها تستعمل (الأحمر شفايف)! ولم أعهدها تتزين ورحت أتطلع إلى وجهها، وقد صبغته حمرتان: حمرة الخجل، وحمرة من زينتها - ولاح على ناظري تساؤل وعجب!
أقسم لك إن حياتي الماضية لم تعلمني كيف أصرف في مثل هذه المواقف، فهذه الصفعات من يد الأقدار، وأنا مختنق بأفكاري، أتلفت في آفاق حيرتي؛ هزمت كل ثقة في نفسي،