للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

غضت عن العلياء طرفي برهة ... ثم انجلت عن ناظري الأقذاء

فعلمت أن الأكرمين هم الأولى ... شرفوا وباقي العالمين هباء

لم يبق غير بني النبي محمد ... في الأرض يعزى إليه سخاء

قوم همت جدواهم وبمدحهم ... في كل واد هامت الشعراء

ولو تأملت في هذه الأبيات لوجدت روح ابن هانئ ماثلاً في وضوح وجلاء، وطريقة الساعاتي في التخلص إلى المدح هي نفس طريقة ابن هانئ. وإليك أبيات ابن هانئ لتوازن بينها وبين أبيات الساعاتي.

وطفقت أسأل عن أغر محجل ... فإذا الأنام جبلة دهماء

حتى دفعت إلى المعز خليفة ... فعلمت أن المطلب الخلفاء

جود كان اليم فيه نفاثه ... وكأنما الدنيا عليه غشاء

إلا أن ابن هانئ، كان يمدح الخليفة الفاطمي الذي امتد ملكه من المحيط الأطلسي غرباً إلى بلاد العرب شرقاً، أما الساعاتي فكان يمدح عاملاً بسيطاً من عمال الدولة العثمانية، وهو معرض للعزل في أي وقت. وقد عزل فعلاً ورحل إلى الآستانة، وقد جعل الساعاتي من هذا الحاكم الصغير ملكاً تهابه الملوك وتعنوا لسلطانه وتقصر عن بلوغ مرتبته. وقال:

ملك سما سلطانه وتقاصرت ... عنه الملوك لأنها أسماء

ولو ارتقوا يوماً لأخمصه انتهوا ... لمراتب ما فوقهن علاه

وصلته أبكار العلاء كواعبا ... من قبل ما وصلتهم الشمطاء

ولا شك في أن الشاعر قد أشرف في التكليف وبالغ في الكذب وليس مما يعقل أن رجلاً كالساعاتي يقول مثل هذا المدح في شريف مكة عن عقيدة راسخة وإيمان ثابت.

وظاهر من هذه القصيدة أن ابن عون قد أعرض عن الساعاتي مدة من الزمن بسعي بعض الحساد، فشكا الرجل من حدوث هذه القطيعة. قال:

مازلت أجلو وصفكم حتى بدا ... كالشمس لا رمز ولا إبماء

وحبونموني بعدها بقطيعة ... أكذا يكون تكرم وحباه

من لي بخط الأغبياء فعلتي ... عز الدواء لها وجل الداء

وقال قبل ذلك أبيات:

<<  <  ج:
ص:  >  >>