وبعد إذ أبطل ابن رشد كافة أدلة هذه الفرق الأربع - شرع يذكر الطريقة الشرعية التي يقول إن القرآن قد نبه عليها ودعا إلى تعرف وجود الله عن طريقها. وهو يحصرها في دليلين: ما يسميه دليل العناية ودليل الاختراع - الأول يراد به أن من عناية الله بالإنسان خلق هذه الموجودات من أجله، والثاني مؤداه أن ما نرى من عنصر الإبداع في هذه الموجودات إنما هو من فعل. فاعل قادر مريد له في ذلك حمته وليس من عمل الصدفة أو الاتفاق وعند ابن رشد أنه لكي تتم المعرفة بالله يجب أن يجتمع لها الفحص عن منافع الموجودات كالشمس والقمر والفصول والليل والنهار والنبات والحيوان التي خلقت رحمة بالإنسان والوقوف على الاختراع الحقيقي في جميع هذه الموجودات للفصول من فهم المصنوع إلى فهم الصانع. هذان عنده عما دليلا الشرع - وحتى آيات القرآن لا تخرج في دلالتها عن أن تنبه على دليل العناية أو دليل الاختراع أو هما معاً. وأحب أن تفهموا أن هذين الدليلين: هما المحور الذي لا تخرج أية فلسفة عن الإتيان بواحد من شعبيته إما أن المستدل من وجود الأشياء على وجود الله (أي دليل الاختراع) أو تنتقل من الله إلى بيان موجوداته التي تعد حينئذ فيضاً منه ورحمة صادرة عنه بمحص جوده وكرمه. والدليل الأهم هو الأول ويسمى عند فلاسفة المسيحيين بالحجة الوجودية - وإن كانت الطريقة التي عرض بها ابن رشد هذا الدليل هنا تجعلنا نخشى - كما نبه الغزالي - أن يؤدي العلم بدقائق الاختراع وعنصر الحياة في الكائنات إلى الشك في وجود خالقها والارتداد عنها إلى الإيمان بالمادية وإنكار وجود الله عند ذوي الطبائع الفاسدة كما يؤدي إلى الهدي وزيادة الإيمان عند ذو الفطر السليمة.
وأما طريقة ابن رشد في إثبات وحدانية الله فهي الطريقة السليمة التي استفادها مما في الشهادة الأولى (لا إله إلا الله) من إثبات الوحدانية بهذا النفي للشريك - وهو يعمد إلى الآيات التي تناولت هذا الموضوع فيحللها ويؤول تفسيراتها -
ولابد لكم أن تحفظوا هذه الآيات جيداً وتعرفوا أرقامها من السور القرآنية وتلموا بتفسيرها في حدود ما يلزمكم - فهي في كثير من المواضع حجة ابن رشد الرئيسية؛ لا تستطيعون عرض رأيه قبل أن تحيطوا بها علماً)، ويبين أن الفرق بين العامة وخاصة العلماء في