يهبط (بأفعاله) إلى اقذر ما يمكن أن تلحقه هذه العلاقة بإنسان. . . تراه يتصل بإحدى العاهرات ذلك الاتصال الشائن الذي يخرج منه بأخبث الأمراض وافدح العلل، ثم لا يحاول أن يقصد إلى طبيب ليلتمس لجسمه المنهك أي وسيلة من وسائل البر الذي يعقب العلاج! وهو، ذلك الرج العاجز عن تصريف أموره، المشلول الحركة في معركة الحياة، يسعى عن طيب خاطر إلى أيجاد من يشرف عليه ويرعاه، حتى إذا وجد (مجلس العائلة) أو مجلس الوصاية ليشرف على هذا الرجل الذي يفر من المسئوليات الضخام وغير الضخام، تراه يثور على هؤلاء (الجلادين) الطغاة الذين يذيقونه الذل ويسومونه سخف العذاب! وهو، ذلك الفنان اللامع الذي كان يتطلع إلى أن يظفر بمكانه بين الخالدين من أعضاء الأكاديمية الفرنسية، تراه يعبر كل درب يمكن أن يباعد بينه وبين المكان الخالد. وأعجب العجب أنه كان ينشد من كل قلبه مثل هذا الإخفاق! وهو، ذلك الشاعر الجهير يخرج للناس يوما ديوانا من الشعر يطلق عليه (أزهار الشعر) ليقف بسببه في ساحة القضاء. ترى أكان يهدف من وراء هذا الشعر إلى مؤازرة الذين ينادون بمذهب (الفن للفن)، أم كان يهدف إلى شيء آخر تتردد أصداؤه بين جنبيه وترسب في قرار سحيق؟ اغلب الظن أنه كان يحب أن يكون منبوذا من الناس تلاحقه اللعنة في كل عمل من أعماله الأدبية والإنسانية. . . . وإلا لما تعمد أن يطالع الناس بهذا الشعر الذي عرضه للإدانة من جانب القضاء الفرنسي، وهي إدانة مادية ومعنوية!
هو إذن في رأي سارتر رجل مضيع عاجز مبهم يحرك يديه في شتى الاتجاهات ليثير من حوله الزوابع والأعاصير، حتى إذا هبت عليه من كل ناحية وعصفت بكيانه وأودت بوجوده وقف حيالها مكتوف اليدين. . . رجل عاش ولكنه لم يستطع أن يفسر لنا هذه الحياة التي عاشها ولا أن يكيف لنا هذا الوجود الذي خلق فيه رجل كون مزاجه بنفسه واختار مصيره برضاه، وخانته القدرة على أن يخرج من أخطائه وآثامه بمذهب يحدد ذاتيته في زحمة الوجود أو يبرر مكانه في غمار الحياة. هذه الشخصية العجيبة الغريبة المتقلبة تحتاج إلى مفتاح يعالج أبوابها المغلقة على فنون من الطلاسم والأسرار. . . وها هو سارتر يحاول أن يقدم إلينا هذا المفتاح.
بودلير الذي كان يفتش عن الآلام كان يريد أن يتعذب، والدليل على ذلك مستخلص