ولا بدع وهذا شأنه وخطره أن يعهد إليه بكتابة مقالات في علم الفلك وأحكام النجوم لدائرتي معارف عالميتين هما الموسوعة الإسلامية التي تطبع في هولندا وموسوعة أخرى إنكليزية.
على أن ما يعنينا مباشرة هو وقوع الاختيار عليه عام ١٩٠٩ لإلقاء الدروس في الجامعة المصرية في علم الفلك عند العرب وسواهم مما تقدموهم، فلبى طلبها وراح يحيي في ذلك القطر العربي هذه الدروس التي كان من تفوق العرب فيها بعد أن أكسبتهم شهرة عالمية ولكنها لسوء الحظ أصبحت عند أحفادهم أثرا بعد عين.
واستفاض نالينو في أبحاثه في هذا العلم لا عند العرب فحسب بل عند الأقدمين الذين أخذ عنهم العرب كما أبان عما أخذه علماء القرون الوسطى بدورهم عند العرب. وبعد أن سرد تعريفات هذا العلم عند الأقدمين والمحدثين أخذ في الفحص عن مصادر أخبار فلكي العرب ومؤلفاتهم مبتدئا بما كان يعرفه عرب الجاهلية عن السماء والنجوم وحساب النسيء ومنازل القمر وأنوائها. وتطرق إلى مبادئ علم الفلك عند الأمة الإسلامية وما كان من تأثير علم الفرس فيهم وما ورثوه عن اليونان والهنود وتعريبهم لكتبهم. وبعد هذه التوطئة أخذ في ترجمة الذين اشتهروا من الفلكيين العرب وذكر تآليفهم التي وصلت إلينا التي عبثت بها أيدي الضباع وتوغل في الفحص عن أهم مباحث علم الهيئة موضحا رأي العلماء العرب في كل منها فشرح أقوالهم في طبيعة الأفلاك والكواكب وأصل نورها الخ، وأخيرا دار كلامه على اعلم أحكام النجوم مبينا ما أخذه العرب عن أسلافهم وما اخترعوه هم أنفسهم، وأورد المناقشات التي دارت رحاها بين المتكلمين والفقهاء والفلاسفة والمنجمين في تأييد هذا العلم أو بطلانه، فجمع هذه الدروس القيمة في كتاب أتى في ٣٧٠ صفحة، طبعه في روما سنة ١٩١١، مع فهارس عامة وحواش وتعليقات جعلته تحفة من التحف. وقد تكرمت آخرا الآنسة كريمة الأستاذ الدكتورة مارينا نالينو فأتحفتنا بهذا الكتاب القيم فشكرا لها على هذه المنة.
وبلغ من ارتياح عمدة الجامعة المصرية إلى دروسه وأبحاثه أن جددت التعاقد معه دورتين أخريين حتى سنة ١٩١٣. ومما زاد في دهشة ذوي الاطلاع تبريزه في تاريخ علم الأدب