عند العرب على وعورة مسالكه وخشونة مركبه لأجنبي، ناهيك بأنه كان إذ ذاك معدودا من اختصاص العلماء المصريين وحدهم فليس لأجنبي أن يقدم عليه وإلا تعرض لسهام النقد وأثار السخرية والهزء. ولكن مستشرقنا تغلب على كل هذه الصعوبات لأن عربيته كما قدمنا كانت سالمة من كل شائبة لفظا ومبنى. وبدلا من أن يجري على المألوف فيدرس الأدباء تبعا لترتيب الحروف الأولى من أسمائهم نسق تاريخهم وقسمه لما طرأ على علم الأدب من تطورات جوهرية في عصوره الجاهلي والمخضرم والأموي والعباسي ودرس كلا من هذه الحقب مبينا الخاصية الأدبية والفنية التي تميزت بها عن سابقتها ولاحقتها، متقصيا في كل حقبة النتاج الفكري الذي تفردت به نظما ونثرا، مما أنزله في الأوساط الأدبية منزلة لا ينازعه فيها منازع وجعله ذا أثر بين في التقدم العجيب الذي أحرزته اللغة العربية في الربع الأول من هذا القرن. ويكفينا للتدليل على صحة هذا الرأي أن كان بين تلامذته المعدودين الدكتور طه حسين بك زعيم المدرسة المصرية الحديثة في التاريخ والآداب العربية والذي طالما اعترف بأنه مدين لأستاذه نالينو بثقافته الأدبية ونضجه الفكري.
أما البشرى السارة التي نزفها إلى القراء فهي أن هاتيك الدروس التي استقى الأستاذ نالينو مادتها من خطوط قديمة لقي صنوف العناء في قراءتها واستجلائها واعتمد عليها في مقام التدليل والاستشهاد إثباتا لنظرياته واستنتاجاته أصبحت في مأمن من الاندثار إذ ستبعثها قريبا من مدافنها كريمته الدكتورة ماريا نالينو في كتاب متقن الطبع يضم تعليقات وحواشي ضافية وفهارس عديدة. وهي قمينة بالاضطلاع بهذا العبء لأنها من أوسع الناس اطلاعا وأطولهم باعا في هذه الأبحاث في لغتنا واللغات الأجنبية جزاها الله خيرا وأبقاها خير خلف لخير سلف.
وللأستاذ نالينو عدا مؤلفاته الكبيرة مقالات عديدة نشرتها له المجلة الخديوية المصرية سنة ١٩٠٧ في الجغرافية وأسماء الأمكنة في البلاد، على الأخص ما وضعه من القواعد لنقل الأسماء العربية إلى الإيطالية وكيفية التوصل إلى ضبط الأسماء الجغرافية في طرابلس وبرقة وما كتبه من المقالات العلمية للموسوعة الإيطالية. وقد امتاز في كل ما كتبه بالتعمق في الدرس وإيفاء الموضوع حقه من البحث والتنقيب كما كان بطبعه عدوا للمطرق