والسطحي فيلج العباب ويغوص على اللباب ويعود بكل مجهول طريف.
- ٣ -
وإذا انتقلنا من علوم الطبيعة إلى علم العقل نرى إنتاج نالينو في هذا الحقل ينمو ويزداد، وإذا نظرنا إلى اللغة من مختلف نواحيها فصيحها وعاميها وبائدها، نرى نالينو قد امتلك ناصيتها وأخذ بأعنتها حتى ليكاد يلم بكل ما دق وخفي من قواعد صرفها ونحوها ولا يلتبس عليه أدنى صوت من مقاطع لهجاتها. وأصدق شاهد على قولنا هذا كتابه في (العربية المتكلم بها في مصر) الذي أصدر الطبعة الأولى منه سنة ١٩١٠ وأعاد طبعه سنة ١٩١٣. وبيت القصيد في هذا الكتاب مقدمته التي لا تتأتى كتابة مثلها إلا لعربي متضلع من لغته إلى أبعد حد.
ومثل ذلك يقال في الملحوظات التي أوردها بشان اللغة التونسية ونشرها في مجلة الشرق الحديث الذي كان يصدرها باللغة الإيطالية. وقد أسعفه على التقصي ما امتاز به من دقة حاسمة السمع ومرانه الطويل في رحلاته المتعددة إلى تلك البلاد.
وقد أولى الجاهلية عناية فائقة وكرس لبحثها وقتا طويلا. ففي سنة ١٨٩٣ ظهر له وهو بعد فتى مستفيض عن نظام القبائل العربية قبل الإسلام أبدى فيه من الرصانة في الحكم إلى جنب البحث في القبائل العربية وتاريخها وأساليب معيشتها وعلاقاتها الاجتماعية ما حدا بالأب لامنس اليسوعي المعترف له بالتفوق في هذا المضمار إلى ذكر هذا الفتى بعد انقضاء عشرين عاما على صدور مقاله.
ولهذا المستعرب أبحاث كثيرة لم تنشر؛ ولكن ما كان نصيبه النشر منها يثبت معرفته التامة بلغات جنوبي الجزيرة العربية وهي المعروفة بالحميرية التي تفرعت منها لهجات عديدة منها المعينية والسبئية والحضرمية والقتبانية الخ، وجميعها تختلف عن العربية الفصحى كل الاختلاف. أما ما اتصل بنا منها فالفضل ببقائه عائد إلى النقوش التي عثر عليها في المغاور والصخور الكائنة على طريق القوافل القديمة. وقد بدأ المستشرقون منذ سنة ١٨٣٤ في قراءة حروفها وحل رموزها غير مبالين بالصعوبات التي تعترض سبيلهم لتعذر الوصول إليها. أما النصوص الحميرية التي نجدها في كتاب الإكليل للهمذاني فليست سوى نصوص مزيفة لفقها المؤلفون كابن وهب ومحمد الكلبي وابن هشام وتقتصر على